الأحد 3 ربيع الأول 1432

(18) الوسائل المعينة على التربية: المدرسة

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

المبحث السادس: دور المدرسة في التربية

   إن المدرسة تعتبر مقرا أساسيا من مقرات التربية([1])، ومن أهم العوامل المعينة عليها، وإن كانت اليوم-مع الأسف الشديد- لا تؤدي دورها الكبير المنوط بها، ولا تحقق الأهداف النبيلة المعلقة عليها إلا قليلا، ومهما يكن في المدرسة من آفات فإنها مكسب ينبغي للأب والمعلم أن يستغله لأداء واجبه وبث رسالته، وأن يحاول سد النقائص قدر المستطاع، فمن واجب الآباء أن يجتهدوا في تحصيل مصالحها وتكثيرها، وفي تحجيم مفاسدها وتقليلها، إذ لا غنى لأبناء الإسلام عنها، لأن البديل الشرعي عنها غير موجود، إذ الآباء لا يمكنهم -في أكثر الأحوال- أن يعلموا أبناءهم كل ما يحتاجون إليه، والمساجد في أغلبها عاطلة عن أداء دورها التعليمي والتكويني. وبناء على هذا نتحدث عن هذا الموضوع من خلال بيان واجب الآباء ثم واجب المعلمين في المدرسة.

 

(18) الوسائل المعينة على التربية: المدرسة

 

المطلب الأول : واجب الآباء تجاه الأبناء في المدرسة

   إن واجب الأب تجاه ابنه في هذا المضمار لا ينتهي عند تسجيل الولد في المدرسة، بل إنه بعد ذلك تبدأ واجبات أخرى لا بد من التنبيه عليها:

1-ومن أهم هذه الواجبات اختيار أحسن المدراس لأولادهم، إذا المدارس تختلف من حيث الإمكانيات الموجودة فيها، والحي الذي توجد فيه، والمعلمين الذين يدرسون فيها إلى غير ذلك من العوامل التي يتأثر بها الطفل، وعلى الآباء إن أمكنهم أن يختاروا لأولادهم في المدرسة ذاتها أحسن المعلمين خلقا وعلما وتجربة.

2-وعلى أن الآباء مراقبة أولادهم وعدم إهمالهم وذلك بسؤالهم عن دراستهم ونتائجهم المحصلة وبسؤال المعلمين عنهم، وكذلك مساعدتهم في المواد التي يظهر فيها ضعفهم، ومن المهم جدا تنظيم أوقاتهم لأن الولد لا يحسن ذلك ولا يمكنه أن يكون رقيبا على نفسه.

3-وعليهم أيضا أن يلقنوا أولادهم احترام المعلمين والتأدب معهم، وأن يشعروهم بعظيم الخدمة التي يقدمون لهم، فيحثونهم على طاعة معلميهم والتجاوب معهم في الدرس، ويحذرونهم من التشويش عليهم في القسم.

4-وعلى الآباء أن يتداركوا النقائص التي توجد في المدرسة في برامج التعليم كالأخلاق وتحفيظ القرآن ونحو ذلك، وثمة مواد تدرس في سنة واحدة ثم تتجاوز والولد يحتاجها في كل حياته فلا بد من مراجعتها حتى ترسخ في قلبه، ومن ذلك دروس العقائد الإسلامية والسور التي حفظها من القرآن الكريم.

5-وعليهم أيضا أن يحاسبوا المعلمين المفرطين في أداء واجبهم التعليمي والمخلين بواجب التربية الحسنة، ومن طرق ذلك الانخراط في جمعيات أولياء التلاميذ لا لمناقشة موضوع نقل التلاميذ والتدفئة وتوفر الكتاب فحسب، ولكن للسهر على السير الحسن لعملية التعليم والتربية والإسهام في إيجاد حلول لمشاكل المدرسة الحديثة، ففي كثير من الأحيان نجد المعلم كثير التأخر والغياب، والخصم من راتبه لا يقدم شيئا للتلاميذ الذين سينتقلون إلى مستوى أعلى دون إكمال البرنامج، وعلى الأولياء أن يتدخلوا لدى الإدارة لتفرض على التلاميذ والتلميذات اللباس المحترم المحتشم وليفرض ذلك أيضا على المعلمين والمعلمات، فإننا نرى في هذه الجوانب وغيرها تسيبا واضحا ولا يرد الأمور إلى نصابها إلا أصحاب الحق الحريصين على تربية أولادهم التربية الحسنة.

6-ومن واجب رفض الاختلاط، وفرض مادة الموسيقى ومادة الرياضة على البنات البالغات، لأنه إذا رفض ذلك المجتمع لم يقدر أحد على فرضه عليهم –كما هو الحال في ولاية المدية التي لا اختلاط فيها إلى اليوم- ومن واجب الآباء المطالبة بالسماح للتلاميذ بإقامة الصلاة في المدرسة وغيرها من المطالب الشرعية، ومن حقهم وواجبهم في آن واحد النظر في الحجم الساعي لبعض مواد الدراسة، بل في تعديل المقررات التي يظهر ضعفها أو مخالفتها للسلوك القويم والعقائد الإسلامية.

مشكلة الاختلاط

   إن خروج الولد إلى المدرسة يعني أنه سيتخذ أصحابا يخالطهم فيها ، مما يستوجب على الآباء أن يضبطوا ضبط الأولاد في هذا الباب، لأن التلاميذ في المدرسة فيهم من هو سيء الخلق ومن هو مهمل لدروسه ومشاغب في الدرس لمعلمه كل هؤلاء لا يصح اتخاذهم أصحابا.

   ومما ينبغي الحذر منه حذرا شديدا قضية اختلاط الجنسين، فعلى الآباء والأمهات أن يربوا أولادهم على الحياء والفضيلة والعفاف، وأن يجنبوهم الاختلاط ومصاحبة الذكور للإناث، لأنه فساد للأخلاق وانحراف في السلوك ومآله إلى تضييع الدراسة، ويجب عليهم أن يمنعوا أولادهم من ذلك في جميع مراحل دراستهم، لأن الولد ينشأ على ما اعتاده في صغره، والذي لا يشك فيه كل ذي مروءة ودين أن اختلاط الجنسين أمر محرم في دين الله تعالى، ويكفي دلالة عليه أن الشرع الحكيم فصل بين الرجال والنساء في المسجد وهم في الصلاة يقابلون رب العزة جل جلاله، والعلة في تحريمه أنه ذريعة لفساد الأخلاق وانتشار الفاحشة، وهذا أمر أصبح ظاهرا للعيان وعليه أكثر من برهان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:« مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ»([2]).

  ومن مفاسد مصاحبة الجنس الآخر ما يرجع إلى شخصية الطفل وطبيعته، وخاصة إذا كان في المراحل الأولى من التعليم حيث يتأنث الذكور في طباعهم، وتترجل الإناث في طباعهن، لأن الطفل يتأثر بالمخالطة، فلا ينبغي أن نتساهل في هذا الأمر بحجة أن الاختلاط في المراحل الأولى للطفولة لا فتنة فيه. وهذا الخطر لا يأتي فقط من اختلاط التلاميذ بل حتى من كون المعلم الذي يعلم الذكور امرأة، فإنها تؤثر على كثير من سلوكاتهم بحركاتها وطريقة كلامها.

   ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه المخالطة تؤثر حتى في البيت، فنجد بعض الذكور لهم طباع النساء وبعض الإناث لهن طباع الرجال، وسبب ذلك طول المخالطة والمجالسة للجنس الآخر، والآباء قد يغفلون عن ذلك.

 

المطلب الثاني: واجب العلم في المدرسة

 

ومن واجب المعلم في المدرسة:

1-أن يكون مربيا قبل أن يكون معلما، وأن يكون قدوة في سلوكه وأخلاقه، وعليه أن يشعر أن الطفل جاء ليتلقى ويأخذ منه فلا يعطيه إلا ما هو طيب، فلا يسمع منه إلا الكلام الطيب، ولا يراه يرتدي إلا اللباس المحترم وإذا كان في القسم ارتدى مئزره ليكون قدوة للتلاميذ.

2-ومن واجبه حث التلاميذ على بر الوالدين واحترامهم وطاعتهم ، فإن التربية على بر الوالدين إذا جاءت من غيرهما كانت أحسن وأدعى للقبول، وذلك يشعر الطفل بأن هذا المعلم حريص عليه يريد له الخير فيكسب ثقته، وثقة التلاميذ من أنفس ما يسعى المعلم إلى كسبه، والطريق إلى ذلك ليس هو بالغلظة والفضاضة والشدة ولكن بإظهار الحرص عليهم وباحترامهم واحترام المادة التي تدرس.

3-ومن واجبه أن يكون منضبطا بالوقت لا يتأخر ولا يتغيب وأن يكون معتنيا بالعلم الذي يعلمه، يجتهد لتنمية معارفه فيه وطرق تبليغه ولا يتهاون في أداء مسؤوليته، وكل ذلك يكسب المعلم احترام التلاميذ الذي يعتبر مفتاح نجاح المعلم في مهمته.

4-وعلى المعلم أن يكون حريصا على إفهام الطلاب، حليما وصبورا على طلابه ومبتكرا في وسائل التعليم وإيصال الفكرة إلى ذهن الطالب.

5-وعليه أن لا يخلي مجلسه من ذكر الله تعالى، فيبدأ بإلقاء السلام على الطلاب عند الدخول، وبفتتح الجلسة وختمها بحمد الله تعالى والثناء عليه، ويلزام الطلاب كتابة بسم الله الرحمن الرحيم في أول الدرس ويلتزم هو ذلك.

6-الحرص على ربط المواد العلمية الكونية بشرع الله تعالى كتفسير التاريخ تفسيرا دينيا أخلاقيا، والتذكير بعظمة الله تعالى في العلوم الطبيعية والجيولوجيا والفلك، كما عليه أن ينتخب نصوص الدراسة وأمثلتها في مادة الإعراب والأدب من الآيات القرآنية الأحاديث النبوية والأشعار التي تحدث على الفضائل ومكارم الأخلاق وأن يجتنب ما دل على عكس ذلك.

7-وعليه أن يسعى إلى رفع معنويات الطلبة، وإظهار الفرح بنجاحهم والانزعاج لرسوبهم، وأن يبتعد عن أسلوب التعجيز في الامتحانات.

8-ومن المهم جدا أن يجعل المعلم علامة خاصة بسيرة التلميذ وأخلاقه، وأن يجعل الجوائز والحوافز على حسن السلوك والمشاركة والتجاوب في القسم.

9-وإذا كان في المقررات مفاهيم خاطئة أو معلومات محرفة أو حقائق مبتورة عن سياقها الصحيح، فإنه يحرم عليه أن ينقل إلى التلاميذ ما يعتقد خطأه ن خاصة في مادة التربية الإسلامية وما يسمى بالتربية المدنية، ويجب عليه أن يعطى المفاهيم الصحيحة ويحذر من التحريف والتزييف وقلب الحقائق ومن العقائد الفاسدة.

 

 



[1] / المدرسة في القديم هي المسجد، وكلمة "المسيد" العامية كانت تطلق على المسجد ثم نقلت إلى المدرسة الحديثة، ولم يحدث الفصل بين المسجد والتعليم النظامي إلا بدخول الاستعمار إلى بلاد المسلمين.

[2]/ رواه البخاري (5096) ومسلم (2740).

تم قراءة المقال 4297 مرة