الأحد 17 ربيع الأول 1435

(30) التربية العقائدية : الإيمان بالله تعالى

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

المبحث الثاني : الإيمان بالله تعالى

إن أهم عناصر العقيدة الإسلامية هي أركان الإيمان الستة الواردة في حديث جبريل عليه السلام: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وأول هذه الأركان وأساسها وأولاها بالاهتمام الإيمان بالله تعالى، الذي يتضمن الإيمان بوجوده وتوحيده في صفاته وأفعاله وألوهيته، فهو سبحانه الخالق لا خالق غيره وهو مدبر الكون كله لا يشاركه في ذلك أحد، وهو المستحق للعبادات كلها ظاهرها وباطنها.

 

(30) التربية العقائدية : الإيمان بالله تعالى

المطلب الأول: ضرورة ترسيخ الفطرة

   وهذا الإيمان والتوحيد لله تعالى بجميع معانيه أمر فطري، بمعنى أن الفطرة التي فطر الله الناس عليها تقبله، وتميل إليه لولا المؤثرات الخارجية؛ ولولا شياطين الإنس والجن، لقوله تعالى ] فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[ (الروم:30) ولقول النبي e :« مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»([1]).

   وهذه الفطرة التي يولد عليها المولود تحتاج إلى عناية وترسيخ وتوجيه، وإلى حماية مما يناقضها ويضادها أيضا، لأن الطفل وإن كانت نفسه قابلة لهذه الفطرة إلا أنه يولد وهو لا يعلم شيئا، قال تعالى :] وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ (النحل:78)، ولا يمكن للطفل أن يسلم من المؤثرات التي تحاول تحريفه عنها كما جاء في الحديث القدسي:« وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ»([2]). فلا ينبغي أن يغتر الوالد المربي بقوله إن الولد ينشأ على الفطرة والإسلام دون أن يبذل هو أي جهد يذكر في هذا المجال، وأيُّ فطرة تسلم للطفل مع الأساليب الماكرة والوسائل المتنوعة التي يستعملها شياطين الإنس والجن للصد عن سبيل الله تعالى ودينه القويم وصراطه المستقيم.

   إن هذه الفطرة التي تعني الإيمان بالله تعالى وتوحيده ينبغي أن يتعلمها الولد من محيطه، من كل يشاهده ويسمعه من أبويه وأقاربه وغيرهم .

طرق ترسيخها قبل سن التمييز

   ولا بأس أن نذكر ببعض الأمور التي تساعد على ترسيخ هذه الفطرة قبل سن التمييز:

1-الأسماء التي يسمعها في محيطه كاسمه أو أسماء أقاربه كعبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم.

2-ومشاهدته لصلاة الأب وصلاة الأم وبقية الأقارب.

3-وسماعه الأذان وتلقينه الأذكار اليومية والأدعية وتأديتها بحضرته.

4-تذكيره بنعم الله تعالى عليه خاصة عند الطعام لتكرره، وعلى الأقل تعليمه التسمية في أوله وحمد الله في آخره.

5-تحفيظه بعض سور القرآن مع تفهيمه بأن هذا كلام الله تعالى، وأول ما يعلم من ذلك الفاتحة وسورة الإخلاص والمعوذتين .

6-تلقينه بأن الله تعالى هو الذي خلقنا ورزقنا، وهو يرانا من فوق سبع سماوات رقيب على جميع أعمالنا.

7-تحفيظه بعض القصائد والأناشيد التي فيها ما يراد تلقينه للطفل من معاني الاعتقاد الصحيح.

8-الاستعانة بأفلام الكارتون-الرسوم المتحركة- التي تخدم العقيدة الإسلامية.

طرق ترسيخها بعد سن التمييز

     أما بعد سن التمييز فيضاف إلى هذه الأساليب أساليب أخرى (فيها فكر ونظر منها):

1-كالتذكير بانتظام هذا العالم على كثرة ما فيه من المخلوقات العظيمة جدا والمتناهية في الصغر؛ وذلك ليعظم الإله سبحانه ويجله، قال تعالى :] لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ[ (الأنبياء:22) وقال: ] مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ[ (المؤمنون:91).

2-والتذكير بِحِكم الله تعالى في أفعاله ومخلوقاته وذلك ليحب الله تعالى ويحمده، كالحكمة من خلق الليل والنهار ومن خلق الشمس والقمر، ومن خلق الحواس السمع والبصر واللسان وغير ذلك، قال تعالى :]قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ[ (يونس:101) وقال :]وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات:21).

المطلب الثاني: العقيدة العملية لا النظرية العلمية

   وهنا أمر مهم لا بد من التنبه إليه وهو أن الولد يتعلم بهذه الطرق معاني التوحيد كلها مجتمعة توحيد الربوبية (أفعال الله في الكون) إلى جانب توحيد الألوهية (وهو استحقاقه للعبادة دون غيره)، يتعلمها بمعانيها بعيدا عن المصطلحات والتقسيمات، وعن الدرس والحفظ والمراجعة، يتعلمها في محيطه فيحفظها كما يحفظ اسمه، وهذا هو معنى العقيدة، ليست العقيدة التي تكتب في الكراس ثم تحفظ لأجل الامتحان ثم تنسى بعد ذلك، بل العقيدة الصحيحة ما رسخ في القلب وأنتج العمل وارتبط بالسلوك مباشرة، كما كان النبي eيعلم أصحابه ويربيهم، ومن ذلك قوله لابن عباس:« يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ » ([3]).

تعليم لا إله إلا الله

   ومن أهم الأمور التي ينبغي تلقينها للأولاد معنى لا إله إلا الله، ولابد من التأكيد على معناها وتكريره وهو إفراد الله تعالى بالعبادة ، وهو حق الله على العباد وهو الذي لا نجاة للعبد إلا به.

وكذلك يُعلم شروط لا إله إلا الله وخاصة الإخلاص في قولها والمحبة لها ولأهلها والقبول والانقياد لمقتضايتها من شرع الله تعالى وأحكامه.

ويعلم الولد إذا بلغ سن التمييز نواقض لا إله إلا الله وعلى رأسها الشرك بالله تعالى ويحذر منه تحذيرا شديدا، ولقد كانت أول وصية وصى بها لقمان ابنه نهيه عن الشرك بالله تعالى، قال تعالى :]وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[ (لقمان:13)

   وإذا كان بعض الآباء ربما يقولون نحن لا نعلم هذه الأشياء أو تفاصيلها، أو نعلمها لكن ليست لدينا القدرة على تبليغها، نقول قد ذكرنا فيما سبق الوسائل المعينة على التربية، من وسائل التعليم والإعلام المرئية والمسموعة، فما على المربي إلا أن يوفرها ويستعين بها في هذا المجال وغيره من مجالات التربية، فالحجة قائمة على الآباء لا محالة، على أن تعليم هذه القضايا الاعتقادية والتحذير من ضدها لا يحتاج إلى فصاحة وبيان وإلى أدلة وبرهان، فإن المهم هو توصيلها إلى الولد بأي لغة وأي وسيلة، والعلم عند الله تعالى.



/ رواه البخاري (1270) ومسلم (4803).

/ رواه مسلم (2865).

/رواه الترمذي (2516) وصححه.

تم قراءة المقال 4692 مرة