الأربعاء 24 شعبان 1439

98-حكم مقاطعة السيارات بسبب الغلاء الفاحش مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

جوابا عن تساؤلات حول مشروعية حملة مقاطعة شراء السيارات في هذه الأيام، يقال إنه أمر مشروع لا إشكال فيه، وذلك أن الداعي إليه هو الغبن الفاحش في الأسعار ...وليس مجرد الغلاء الناتج عن تكاليف الصنعة ...ومعنى الغبن هو الزيادة أو النقص في السعر عن ثمن المثل، والغبن في البيع بعد إبرامه موجب للخيار وحق رد السلعة، وقد اختلف في تقدير هذه الزيادة الموجبة لهذا الحق والصواب إن مرجعها إلى العرف، وقد بلغت بعض التخفضيات بعد حملة المقاطعة إلى نحو الثلث في بعض الأنواع وهو القدر الذي حدده الإمام مالك لإثبات الخيار.
وينبغي أن يعلم أن غلاء الأسعار له أسباب يمكن تصنيفها في صنفين :
الصنف الأول: أسباب عادية طبيعية لا دخل للتجار فيها، نحو قلة الأمطار أو الجوائح المسببة لقلة الغلة، أو زيادة التكاليف انتاج السلعة الموجب لارتفاع أسعارها ، وهذه الأسعار يقال في مثلها "إن الله هو المسعر" وعلاجها في "الدعاء والاستسقاء" و"التوبة من الذنوب الموجبة للسخط" و"ترك التنازع الرافع للبركة" و"إخراج الزكاة وإعطاؤها لمستحقيها"...ونحو ذلك من الأشياء الجالبة لرحمة الله تعالى والرافعة لمقته وغضبه..وإذا كان الغلاء طبيعيا فلا يجوز للحاكم أن يتدخل بتسعير تلك السلع لأن في ذلك ظلما لأصحاب السلع، وفي هذا السياق والمعنى يأتي قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، القَابِضُ، البَاسِطُ، الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ" رواه أبو داود والترمذي وصححه.
والصنف الثاني : أسباب غير طبيعية المتسبب فيها التجار؛ كالاحتكار للسلع واستغلال جهل الناس بسعر السوق، وهذه من مظاهر الظلم للناس، وهي مختلفة عن صور الصنف الأول معنى وحكما ولذلك فإن الشرع حرم الظلم عموما وحرم هذه الأعمال لإندراجها في معناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"لا يحتكر إلا خاطئ" رواه مسلم ، وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان الجالبين للسلع لأجل جهالتهم بالسعر وجعل لهم الخيار، كما جعل الخيار لمن كان يخدع في البيوع ..
وهذا الظلم المتمثل في الاحتكار وغبن الناس في الأسعار منكر يجب تغييره بالوسائل الممكنة، فأما الحاكم فله سلطان التغيير باليد إذ له سلطة إجبار من تبين احتكاره لسلعة ضرورية أن يخرجها للسوق لترجع إلى سعرها الحقيقي، وله سلطة تسعير الضروري من السلع حسب تكاليف إنتاجها أو حسب أسعار شرائها مع ضمان هامش ربح معقول، ويبقى هذا التسعير استثناء وظرفيا حتى ترجع الأسعار إلى طبيعتها وحدودها المقبولة .. وأما غير الحاكم فله سلطة التغيير باللسان كالمفتي الذي يذكر التجار بتحريم الغش والاحتكار والخداع للناس وأن ذلك من كبائر الذنوب ..وممن يمكنه التغيير باللسان الخبير بالواقع الذي ينصح الناس ويعرفهم بأسعار السوق .. ويدخل في هذا المعنى جمعيات الدفاع عن المستهلك التي تدعو إلى المقاطعة في حال ثبوت الغبن الفاحش ..
وأضعف الإيمان هو الإنكار بالقلب لمظاهر الغش والظلم الذي من لوازمه البينة عدم إعانة الظالم على ظلمه ..ونؤكد أن هذه المقاطعة لابد أن تحدد غايتها برفع الظلم وإرجاع الأسعار إلى مستواها الحقيقي، فإن رجعت إليه وزال الضرر وجب توقيفها، لأن الاستمرار فيها بعد ذلك فيه إضرار بالطرف الآخر، ليس برب المال فقط بل بمن تحت يده من عمال أيضا، والقاعدة الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار. والعلم عند الله تعالى وأستغفر الله العظيم .

تم قراءة المقال 1828 مرة