الخميس 18 ربيع الثاني 1434

إعلام الراغب بحكم درس الجمعة الراتب

كتبه 
قيم الموضوع
(17 أصوات)

     إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ (آل عمران:102) ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[ (النساء:1) ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [ (الأحزاب 70-71)

 

     ألا وإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .

 

    أما بعد : فإن من العوائد التي ورثناها وجرى عليها العمل في أكثر مساجد بلادنا –الجزائر - إلقاء المواعظ والدروس بين يدي خطبة الجمعة ، التي أصبح كثير من العامة يعتقدون أنها من السنن الراتبة، بل ومن الأمور الواجبة، وصار منهم من يعد هذه الدروس أهم من خطبة الجمعة نفسها، وبعد انتشار العلم الصحيح، وظهور الدعوة إلى اتباع السنة بدأت هذه العادة في التلاشي والاندثار.

 

   وقد أثير جدل حول مشروعية درس الجمعة الراتب قبل زمن-أوائل التسعينيات-، وكادت تتفق الكلمة على أنه بدعة منكرة، ولما أعيد طرح هذا الموضوع مرة أخرى-أواخر التسعينيات-، رأيت أن أكتب بحثا أجمع فيه أطراف الكلام في حكمه من خلال النظر في النصوص الشرعية والمقاصد المرعية، وأنقل فتاوى العلماء، كما حرصت على أن أجيب على الشبهات والآثار التي تمسك بها المخالفون.

 

إعلام الراغب بحكم درس الجمعة الراتب

 

 

وقد رتبت البحث على النحو الآتي: 

المبحث الأول : أدلة منع التدريس قبل خطبة الجمعة 

المبحث الثاني : من أنكر هذا الدرس من أهل العلم 

المبحث الثالث : الرد على شبهات المخالفين 

المبحث الرابع : حكم من أكره على فعله

 

 المبحث الأول : أدلة منع التدريس قبل خطبة الجمعة

 

   الذي لا شك فيه أن من خير الأعمال وأحبها إلى الله تعالى التعليم والدعوة إلى الله تعالى، وأن هذا العمل ليس له وقت مخصوص، وأنه من العبادات المطلقة التي يحدد وقتها بحسب ما يناسب المعلم والمتعلمين، ومنه فمن اعتقد فضيلة وقت مخصوص للتعليم والإرشاد فقد وقع في بدعة لا يشك في ذلك، والذي وصل إليه بعض الناس في زماننا قريب من هذا المعنى المحذور، حيث أصبحوا يقدسون الدرس الذي جرت العادة بإلقائه قبل الجمعة، ويرون من أخل به مخلا بحق الإمامة غير مؤد للأمانة، مستحقا لما هو أكثر من مجرد اللوم والإنكار بالكلام، مع أن كثيرا من أهل العلم قد بينوا أن تخصيص هذا الوقت -قبل صلاة الجمعة- بالتدريس ممنوع، وقد استدلوا بأوجه يمكن إجمالها في النقط الآتية :

 

أولا : النهي الصريح الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم

 

ثانيا : المناقضة لمقاصد شرعية معتبرة

 

ثالثا : الوقوع في أوجهٍ من الابتداع

 
 
المطلب الأول : النهي الصريح الوارد عن النبي e
 

     أول دليل يتمسك به المانعون من التدريس قبل صلاة الجمعة، حديث صحيح صريح ورد عن النبي e في النهي عن التحلق قبل صلاة الجمعة، رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:« أن رسول الله e نهى عن البيع والشراء في المسجد وأن تنشد فيه الضالة ، وأن ينشد فيه الشعر ، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة»([1])، وفي رواية : « نهى عن التحلق للحديث يوم الجمعة قبل الصلاة»([2]).

 

    وهذا إسناد حسن عند المحققين من المحدثين وصحيح عند بعضهم([3])، وذلك حسب مرتبة صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عندهم، قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي ([4]): « هذا حديث صحيح »([5]).

 

   وهذا النهي نهي عام للناس مطلق في السبب، أعني بالعموم للناس أنه لا يستثنى منه إمام ولا عالم ولا غيرهما، وأعني بإطلاق السبب أن الحكم لا يختلف مهما كان مقصد هذه الحلقة أخرويا كان أو دنيويا، وظاهر النهي التحريم حتى تأتي القرينة الصارفة له عن ذلك، كما هو مقرر في كتب الأصول.

 

   وأما اقتران النهي عنه بالنهي عن البيع والشراء في المسجد وإنشاد الشعر؛ فليس مما يصرف به النهي إلى الكراهة، لأن هذا النوع من دلالة الاقتران ضعيف، فهو من عطف الجمل لا من عطف الكلمات([6]).

 

  ولو فرضنا أن المخالف وجد ما يأول به الحديث، فيصح عنده حمل النهي على الكراهة، فإن المكروه في علم المقاصد من القبيح الذي لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه، فكيف يجعل من القربات التي يداوم عليها، ويؤمر بها ويذم تاركها أو يعاقب.

 
 

المطلب الثاني : المناقضة لمقاصد شرعية معتبرة

 

   ومما يتمسك به المانع من فرض هذا الدرس ومن المداومة عليه، أن إيقاع هذا الدرس قبل صلاة الجمعة بالصورة المعروفة عندنا-الدرس العام -، يقع معارضا لجملة من المصالح الشرعية، سواء التي وردت بها النصوص صريحة ، أم التي أشارت إليها إشارة غير خفية، وهي كالآتي :

 

الفرع الأول : إماتة بعض السنن

 

   إن ليوم الجمعة آدابا منها ما يكون قبل خطبة الجمعة وهو الاشتغال بالصلاة وقراءة القرآن والذكر إلى حين خروج الإمام، قال ابن القيم وهو يعدد خصائص الجمعة:« أن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام »([7])، وهو أدب مشروع بقول النبي e والسنة العملية المتوارثة من عهد الصحابة إلى عصر الأئمة .

 

   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر، ثم صلى ما بدا له غفر له ما بينه وبين الجمعة التي تليها»([8]).

 

   وروى الإمام مالك عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر رضي الله عنه، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر، وأذن المؤذنون،- قال ثعلبة- جلسنا نتحدث فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا، فلم يتكلم منا أحد ، قال ابن شهاب: فخروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام([9]).

 

    وأخرج هذا الأثر الإمام الشافعي وقال :« فإذا راح الناس للجمعة صلوا حتى يصير الإمام على المنبر، فإذا صار على المنبر كف منهم من كان صلى ركعتين فأكثر، وتكلم حتى يأخذ في الخطبة فإذا أخذ فيها أنصت استدلالا بما حكيت»([10]).

 

   وهذا الخبر ينزل منزلة الاتفاق، لأنه عن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الهجرة في عهد عمر t ([11]).

 

   ولا يخفى أن في إلقاء الدرس في هذا الوقت صرفا للناس عن هذه السنة، وشغلا لهم عما هو فاضل ومصلحة شرعية معتبرة، ولا شك أن المدرس يوم الجمعة قبل الصلاة يزعج هؤلاء المصلين والذاكرين ويشوش عليهم، وقد قال رسول الله e : «ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا ، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة أو قال في الصلاة »([12]). وقد أشار إلى هذا المعنى الحافظ البيهقي([13]) رحمه الله تعالى في تبويبه من السنن، إذ قال :» باب من كره التحلق في المسجد إذا كانت الجماعة كثيرة والمسجد صغيرا وكان فيه منع المصلين عن الصلاة « ([14]).

 

الفرع الثاني : الإنقاص من قدر الخطبة

 

    إن مما هو معلوم ولا ريب فيه أن خطبة الجمعة وصلاتها هما المقصودان بهذا الاجتماع، وأن ما شرع من آداب قبل الصلاة إنما هو تابع لها ، وينبغي أن يكون خادما لها لا صارفا وشاغلا عنها ومنقصا من قيمتها وفائدتها، والذي يشهد به الطرفان المختلفان أن هذا الدرس قد أضحى عند كثير من العوام أهم من خطبة الجمعة، ويقولون هو أنفع لأنه يكون بغير العربية وباللهجات التي يفهمها العامة بخلاف الخطبة !!

 

   ولا يُنكر أن هذا الدرس الذي ربما يستغرق ساعة من الزمن أو أكثر، سيجعل الناس يكلُّون ويملُّون، فلا ينتبهون إلى كلام الخطيب إذا ارتقى المنبر، (وصلاة الجمعة وخطبتها هما المقصودان كما سبق) وهذا أمر مرعي في الشرع، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتقدم شهر رمضان بصيام يوم أو يومين([15])، ومن الحكم الظاهرة لذلك كمال الاستعداد للعبادة الواجبة.

 

الفرع الثالث : الأذان للجمعة قبل الزوال

 

ولكي يحقق هذا الدرس المصالح المزعومة (عند من يرى شرعيته ويداوم عليه)، لابد أن يسبق بالأذان الأول للجمعة الذي أصبح يعلن من مآذن المساجد، ويجعلون هذا الأذان قبل الزوال بمدة قد تصل إلى الساعة أو تفوق ذلك في بعض مناطق البلاد، ومعلوم أن نقل هذا الأذان إلى المساجد أمر لم يعرفه السلف([16])، وجعله قبل الزوال مخالفة ظاهرة، لما فيه من تغرير بالناس حيث يظنون دخول وقت الزوال وهو لم يدخل بعد، وليس كل الناس يجب عليهم الحضور إلى صلاة الجمعة.

 

ومما هو معلوم أنه لا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا صلاة الصبح، لكن قد جعلت كلمات الأذان فيها مختلفة حتى لا يقع التغرير المشار إليه، وقد وقفت على كلام للشيخ أحمد حماني رحمه الله يقرر فيه ما ذكرت في خصوص الأذان حيث قال:« لم يأمر أحد بالأذان يوم الجمعة قبل الوقت ، لأن الأذان قبل الوقت ليس من السنة ولم يؤذن فيه إلا لصلاة الفجر ، فاستنكاره إذا وقع في مكان ما من الواجبات، وفعله بدعة منكرة والسكوت عنها ممن يعرف ذلك إقرار للبدعة »([17]). وهذا الكلام مبني على مذهب الجمهور –وهو الصحيح -من أن وقت أداء صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر لا قبله، خلافا لمن يرى جواز تقديمها على الزوال ([18]).

 

المطلب الثالث : الوقوع في أوجه من الابتداع 

ومن دواعي منع إقامة هذا الدرس يوم الجمعة قبل الصلاة ، أن في ذلك ضروبا من الابتداع ، وقبل بيانها نحاول تقريب معنى البدعة في الأسطر الآتية:

 

الفرع الأول : شرح معنى البدعة

 

من المقرر أنه ليس كل ما يقصد به التقرب إلى الله تعالى يكون مقبولا إلا ما كان مشروعا، وأنه ليس كل ما كان مشروعا في الجملة يكون مشروعا في كل حال، والتقرب إلى الله تعالى بغير المشروع يسمى بدعة وحدثا في الدين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »([19]).

 

فالصلاة قربة ولاشك ولكن ثمة أوقات تمنع فيها والصيام كذلك ، وقد نهى الرسول e أن تخص ليلة الجمعة بقيام ويومها بصيام.

 

ومنه فقد عُرِّفت البدعة بأنها( طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها الزيادة في التعبد) ([20]) . ثم قسمت إلى قسمين :

 

القسم الأول : بدعة حقيقية، وهي التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم لا في الجملة ولا في التفصيل([21])، كمن يتقرب إلى الله بالعوائد وبعض الأعمال التي لا سند لها شرعيا، كالجلوس في الشمس ، أو لبس الصوف، أو الرقص والمزمار، أو ترك بعض الطعام المباح. 

القسم الثاني : بدعة إضافية، وهذا القسم أكثر ما يبتلى به الناس وينطلي عليهم، لأن أصل العمل فيها مشروع ، لكن طرأ عليه ما صيره بدعة في أحوال معينة ، ومن أمثلة هذا النوع جعل الأذان الثاني للجمعة بين يدي الإمام وقد كان على المنارة ([22])، والإحرام قبل الميقات، وقراءة القرآن بهيئة الاجتماع([23])، وقد أنكر كل هذه الأمور إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله كما يعلمه العارفون بمذهبه([24]). 

   وقال العلامة ابن باديس([25]) رحمه الله:« إن ما ورد من العبادة مقيدا بقيد يلتزم قيده، وما ورد منها مطلقا يلتزم إطلاقه، فالآتي بالعبادة المقيدة دون قيدها مخالف لأمر الشرع ووضعه . والآتي بالعبادة المطلقة ملتزما فيه ما جعله بالتزامه كالقيد مخالف كذلك لأمر الشرع ووضعه وهو أصل في جميع العبادات »([26]).

 

الفرع الثاني : بيان أوجه بدعية درس الجمعة

 

    بعد هذا التمهيد نقول: إن هذا الدرس لو لم يكن في الشرع ما ينهى عنه، ولو لم يكن مصادما للمقاصد السابقة لكان ممنوعا من جهة الابتداع، وإيضاح ذلك فيما يلي:

 

أولا : إن من معاني البدعة اعتقاد الفضيلة في عمل ليس له في الشرع فضيلة ، واعتقاد وجوب شيء أو استحبابه ولا دليل على ذلك ، فإنه لو كان مشروعا لما غفل عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولبادر إلى فعله ، والأمر نفسه يقال عن هذا الدرس، فإن الداعي إليه كان موجودا في عهد النبي e ، خاصة أن أهل العوالي كانوا لا ينـزلون المدينة إلا قليلا .

 

ثانيا : إن هذا الدرس لم يجر عليه عمل السلف الصالح  فلو كان مشروعا لسبقونا إليه، والذي لا شك فيه أن تركهم لم يكن عن غفلة أيضا …

 

وكل خير في اتباع من سلف    وكل شر في ابتداع من خلف .

 

ثالثا : إن هذا الدرس لو كان مشروعا داخلا في حيز الإباحة ، لكن يخشى اعتقاد الناس أنه عبادة راتبة أو واجبة لوجب تركه ، فكيف وهو لم يرد ما يشرعه . قال الشاطبي :« وبالجملة فكل عمل أصله ثابت شرعا، إلا أن في إظهار العمل به والمداومة عليه ما يخاف أن يعتقد أنه سنة، فتركه مطلوب في الجملة أيضا من باب سد الذرائع »([27]). والعمل بهذا الأصل مشهور عن الإمام مالك، وقد نسبه إليه العلامة ابن باديس ([28])، بل قرر أنه مجمع عليه ومما قاله في هذا :« ولا يقال إن مقدار العبادة معلوم من الدين بالضرورة، فكيف يظن أنه قد يعتقد الجميع من الأصل والزيادة عبادة واحدة ، لأننا نقول إذا دام وصل النافلة بالفريضة وطال العهد وخلفت الخلوف ، أدى ذلك أهل الجهالة إلى ذلك الاعتقاد ، والاحتياط للعبادة يقتضي قطع ذلك الاعتقاد من أصله بالنهي عما يؤدي إليه، وهو من سد الذرائع الذي هو أحد أصول مالك في مذهبه»([29]). ومن هذا التقرير فإنه لو لم يكن هذا الدرس في حكم الابتداع في الزمن الماضي ، فإنه بعد محاولة فرضه من طرف بعض من اعتاده وعز عليه فراقه يصيره بدعة منكرة في مذهب مالك رحمه الله تعالى.

 

 

 

المبحث الثاني : من أنكر هذا الدرس من أهل العلم

 

 

 

    بعد أن ذكرنا أدلة منع هذا الدرس الراتب من النصوص والمقاصد الشرعية، نأتي في هذا المبحث إلى بيان موقف العلماء منه ، وذلك لرد احتجاج من احتج بسكوت الناس عنه، مع أن هذه الحجة ضعيفة إذ لو صح التمسك بها هنا لصح تمسك الجاهلين به لإبطال دعوة الأنبياء والمرسلين ، إذ قالوا ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، وسأنقل ما أمكن نقله من فتاوى العلماء في هذه المسألة لتكون عاضدا مقويا لما رتبته من أصول ولما نصرته من قول .

 

المطلب الأول : الإمام عبد الرحمن بن مهدي

 

    من أقدم من أنكر التحلق قبل الجمعة عبد الرحمن بن مهدي([30])، قال أبو حفص عمرو بن علي ثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي e نهى عن التحلق  يوم الجمعة قبل خروج الإمام، وقال أبو حفص رأيت عبد الرحمن بن مهدي جاء إلى حلقة يحيى بن سعيد([31]) ومعاذ بن معاذ فقعد خارجا من الحلقة يوم الجمعة قبل الصلاة، فقال له يحيى: ادخل في الحلقة فقال له عبد الرحمن أنت حدثتني عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله e نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل خروج الإمام فقال له يحيى أنا رأيت حبيب بن الشهيد وهشام بن حسان وسعيد بن أبي عروبة يتحلقون يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فقال عبد الرحمن هؤلاء بلغهم أن رسول اللهe نهى عن التحلق يوم الجمعة ثم تحلقوا؟ فسكت يحيى!!([32]).

 

المطلب الثاني: الشيخان ابن عتيق وأحمد بري

 

    وقد كتب في بدعيته الشيخ محمد الصالح بن عتيق رحمه الله تعالى([33]) مقالا نشر في جريدة المساء بتاريخ 7 ديسمبر 1989م، ثم أيد ذلك الشيخ أحمد بري رحمه الله([34]) في مقال آخر نشر في الجريدة نفسها بتاريخ 3جانفي 1990م بعنوان: «دروس الوعظ المتصلة بخطبتي الجمعة نوع من التعبد بغير الوارد ». قال في أثنائه : « ولهذا أقول بكل قوة واطمئنان إن هذه الدروس بدعة بصفتها التي وصفت بها وهي الضلالة التي جاءت بدعيتها من حيث كونها تقع:

 

1-في زمن مخصوص هو يوم الجمعة المعروف في الشرع بخصائصه …

 

2-في مكان مخصوص وهو المسجد الجامع للقيام بعبادات مقررة مصرح بها.

 

3-مقارنة لعبادة مخصوصة وهي عبادة الإنصات للإمام .

 

4-وصارت ملتزمة مع امتداد الفترة الزمنية منذ إحداثها إلى اليوم وانتشارها ووقوعها في كل مساجد الوطن حتى اكتسبت حراسا يحمونها وأنصارا يدافعون عنها…إن هذا التخصيص لا يوجد ما يدل عليه في السنة النبوية ولا في عمل السلف الصالح، بل يوجد ما يدل على خلافه لأن التزام الأمور غير اللازمة شرعا يفهم من التزامها أنها تشريع . ومن له حق التشريع؟ … ومن ينكر أن التزام غير اللازم لا يفهم منه التشريع؟…ولهذه الأسباب وسدا للذريعة تعد دروس الوعظ في مسألتنا في وقتها المخصوص المقرون بخطبتي الجمعة بدعة محدثة ، والبدعة المحدثة في مجال العبادات والقربات تبقى بصفتها التي وُصفت بها وهي الضلالة ».

 
 

المطلب الثالث : الشيخ أحمد حماني

 
 

وقد أيد الشيخ أحمد حماني رحمه الله([35]) كلام أحمد بري وزكاه في تقديمه لكتاب أحمد بري (ظواهر في العبادات ما كان ينبغي أن تكون) إذ قال :« فأثبتت الأحداث أن الحق ما قال وأن الحكمة فيما رأى »([36]). وأَمَرَ الناس أن يطمئنوا لقول أحمد بري لأنه لا يُطلق الأحكام جزافا، وتأصيله العلمي الرصين لهذه المسألة ظاهر والله أعلم.

 

المطلب الرابع : الشيخ الألباني رحمه الله تعالى

 
 

قال الألباني رحمه الله ([37]):« الذي نعتقده وندين الله به أن هذه العادة التي سرت في بعض البلاد العربية، وهي أن ينتصب أحد المدرسين أو الخطباء ليلقي درسا أو كلمة أو موعظة قبل أذان الجمعة بنصف ساعة أو ساعة من الزمان . هذا لم يكن عليه عمل السلف الصالح رضي الله عنهم……ومما لا شك فيه أن حض النبي e على التبكير في الرواح يوم الجمعة إلى المسجد الجامع ليس هو لسماع الدرس وإلقائه وإنما هو للتفرغ في هذا اليوم لعبادة الله عز وجل ولذكره وتلاوة كتابه وبخاصة منه سورة الكهف ، والجلوس للصلاة على النبي e ……كما سبق الإشارة لحديث الرسول عليه السلام في قوله : ( ثم صلى ما بدا له أو كتب له ) . وقد ثبت عن بعض الصحابة كابن مسعود وغيره أنهم كانوا يصلون أربعا وستا وثمانيا، فهؤلاء كيف يصلون إذا أرادوا أن يحيوا هذه السنة التي أماتها الناس ، وصوت المدرس يلعلع ويشوش على هؤلاء المتعبدين والمصلين ……من أجل ذلك جاء في السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الرسول e: ( نهى عن التحلق يوم الجمعة ) . والنهي هذا معقول المعنى ، وسبق ذكره في الكلام السابق…لذلك نقول لا يجوز التدريس يوم الجمعة لأنه لم يكن -أوَّلاً - في عهد السلف الصالح، ولأنه يشوش على الناس في طاعتهم وعبادتهم ، ولأن النبي e نهى عن التحلق يوم الجمعة ، هذا ما عندي والله أعلم»([38]).

 
 

المطلب الخامس: فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية

 
 

جاء في الفتوى التي أمضاها الشيخ ابن باز([39])، وعبد الرزاق عفيفي وعبد الله بن حسن بن قعود رحمهم الله تعالى ما يلي: «لا ينبغي إلقاء المواعظ والدروس يوم الجمعة قبل الجمعة:

 

-لما روى أبو داود والنسائي و الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ( نهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة ). والتحلق التجمع للعلم والمذاكرة .

 

-ولما في ذلك من شغل المجتمعين لصلاة الجمعة عن الذكر والتلاوة ، وصلاة النافلة وتهيئة الصفوف ، وإعداد النفوس لاستماع الخطبة والإصغاء إليها التي أمر الله بها على لسان رسوله e.

 

-والدروس والمواعظ إذا كثرت وتوالت قد تقلل من شأنها وأثرها في النفوس وذلك مناف للحكمة التي شرعت من أجلها ولأن فيها إذا اعتني بها واختير لها من يصلي ويفيد ويغني عن مواعظ ودروس تلقى بين يديها ، وأيضا ما كان عليه الصلاة والسلام وخلفاؤه يفعلون ذلك، والخير في اتباع هديه صلى الله عليه وآله وسلم وهدي خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، وذلك فيما يكثر ويغلب . أما إذا دعت الحاجة لإيضاح وبيان أمر يهم المسلمين أو له علاقة بصلاة الجمعة أو خطبتها ونحو ذلك، ونبه عليه دون أن يكون له صفة الاستمرار والتوالي فلا بأس في ذلك، إن شاء الله وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم»([40]).

 
 

المبحث الثالث : الرد على شبهات المخالفين

 

   ولمن يجيز إلقاء هذا الدرس -بمعنى إباحة فعله-بعض الشبهات يتمسك بها، وليس لمن يفرضه شيئا يشبه الأدلة الشرعية يتمسك به ، سوى ظنه صحة إلزام الناس بخلاف ما يعتقدون، وهو ظن حكايته دليل بطلانه، وملخص هذه الشبهات كما يلي:

 

أولا : أن هذا الدرس من قبيل البدعة الحسنة .

 

ثانيا : أن في إقامة هذا الدرس مصلحة التعليم للناس وهذا أمر مقصود لدى الشارع الحكيم .

 

ثالثا : أن هذا الدرس قد نقل فعله عن بعض الصحابة .

 

رابعا : ومنهم من يحتج بأن بعض أهل العلم فعله أو سكت عنه.

 

خامسا : ويحتجون لشرعيته في بعض المناطق أن أهلها لا يفهمون العربية .

 

سادسا : ولهم أيضا اعتراضات وتأويلات على الحديث الصريح في النهي عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة.

 
 

 

 

المطلب الأول : البدعة الحسنة

 

    أشهر شبهة يروج لها بين العامة للدفاع عن شرعية هذا الدرس- وكل ما هو من جنس البدع- الزعم بأنه من قبيل البدعة الحسنة .

 

   والجواب عن هذا : أن البدع في الدين كلها قبيحة كما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيها ما يستحسن ولا ما يباح، وخير الهدي هدي محمد r ، وكل هدي ليس منه فهو مضاد له ولا خير فيه، وقد رأيت أن أسوق في تقرير هذا المعنى كلاما بديعا للشيخ ابن باديس رحمه الله، جمع فيه أوجه الرد على من يحتج بمثل هذه الشبهة في مسائل الدين، قال رحمه الله:» إن الذي ابتدع مثل هذه البدعة التي هي تقرب فيما لم يكن قربة كأنه يرى أن طاعة الله تنقص هذه الشريعة فهو يستدركها وأن محمدا r خفيت عليه قربة هو اهتدى إليها أو لم تخف عليه ولكنه كتمها ، وهذه كلها مهلكات لصاحبها، فلا يكون ما أوقعه فيها من ابتداع تلك التي يحسبها قربة إلا محرما، وقد قال مالك فيما سمعه منه ابن الماجشون :" من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا r خان الرسالة لأن الله يقول :]اليوم أكملت لكم دينكم [ ، فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا " وهذا من جهة النظر المؤيد بكلام مالك ، وأما من جهة الأثر فقد جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله r كان يقول في خطبته :" أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد r ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة "([41])، وفيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله r :" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا "([42])، ووجه الدليل من الحديثين أنه سمى في الحديث الأول البدعة شرا وضلالا فعم ولم يخص ، وأثبت الإثم لمرتكب الضلالة والداعي إليها ، والإثم لا يكون إلا في الحرام فيكون النظر هكذا كل بدعة ضلالة وكل ضلالة يؤثم صاحبها، فكل بدعة يؤثم صاحبها، وكل ما يؤثم عليه فهو حرام فكل بدعة حرام«([43]).

 

   وقال رحمه الله تعالى ردا عمن يستجيز البدع معتمدا على نية التقرب الحسنة عنده :» وكثيرا ما يرتكبون البدع كدعاء المخلوقات وكالحج إلى الأضرحة وإيقاد الشموع عليها والنذر لها وضرب الدف في بيوت الله ، وغير هذا من أنواع البدع والمنكرات ويتوكؤون في ذلك كله على ( إنما الأعمال بالنيات ) كلا! ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، فإن البدع كلها من قسم المخالفات ، والمخالفات لا تنقلب طاعات بالنيات«([44]).

 

   وكذلك قال في رده على بعض الكتاب المخالفين لخط جمعية العلماء :» ثم يقول "نحن مالكيون" ومن ينازع في هذا ، وما يقرئ علماء الجمعية إلا فقه مالك، ويا ليت الناس كانوا مالكية حقيقة إذن لطرحوا كل بدعة وضلالة، فقد كان مالك رحمه الله كثيرا ما ينشد :

 

وخير أمور الدين ما كان سنة      وشر الأمور المحدثات البدائع « ([45]).

 

    وكذلك لما كتب الشيخ أصول جمعية العلماء ودعوتها نص في المادة السابعة على أن البدع كلها ضلالة فقال رحمه الله :» البدعة كل ما أحدث على أنه عبادة وقربة ولم يثبت عن النبي r فعله وكل بدعة ضلالة « ([46]). وقال في موضع آخر :» من أبين المخالفة عن أمره وأقبحها الزيادة في العبادة التي تعبد لله بها على ما مضى من سنته فيها وإحداث محدثات على وجه العبادة في مواطن مرت عليه ولم يتعبد بمثل ذلك المحدث فيها ، وكلا هذين زيادة وإحداث وابتداع مذموم يكون مرتكبه كمن يرى أنه اهتدى إلى طاعة لم يهتد إليها رسول الله r ، وسبق إلى فضيلة قصر رسول الله r عنها ، وكفى بهذا وحده فتنة وبلاء ، ودع ما يجر إليه من بلايا أخرى « ([47]).

 

    ومن الشبه التي قد يتمسك بها بعض من يستحسن البدع ويقسمها إلى حسنة وسيئة حديث النبي r المشهور الذي قال فيه من سن في الإسلام سنة حسنة ، وقد أوضح الشيخ ابن باديس رحمه الله تعالى عدم دلالته على مرادهم بحمله على غير ابتداء العبادات وتخصيصه بأمور البر والإحسان كما هو مبين في سبب وروده فقال :» علمنا أن المراد بمن سن سنة حسنة ..هو من ابتدأ طريقا من الخير في أعمال البر والإحسان وما ينفع الناس في شؤون الحياة ، ولا يشمل ذلك ما يحدثه المحدثون من البدع في العبادات من الزيادات والاختراعات إذ الزيادة على ما وضعه الشرع من العبادات وحدده افتيات عليه واستنقاص له وهذه هي البدعة التي قال فيها النبي r: "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار([48]) « ([49]).

 
 

المطلب الثاني : مصلحة تعليم الناس

 

   يقول المخالفون : إن في هذا الدرس مصلحة معتبرة في الشرع بلا ريب وهي التعليم ، وإنما خصصنا هذا الوقت لأمر معقول وهو اجتماع الناس فيه اضطرارا .

 

ويقال في الجواب عما قالوا ما يلي:

 

أولا : إن الكلام ليس في جنس التعليم ولكن في تخصيص هذا الوقت الذي لا يصلح شرعا للتدريس ، ومصلحة اجتماع الناس المذكورة غير معتبرة في الشرع بدليل إعراض النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وأئمة السلف عنها ، وقد كان سكان العوالي والأعراب لا يأتون إلى المسجد النبوي إلا يوم الجمعة ، بل كانوا لا يتركون العمل ويأتون مباشرة من حقولهم ، فكان ذلك سبب أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاغتسال للجمعة كما حكت ذلك عائشة رضي الله عنها وحديثها في الصحيحين([50])، ومع ذلك لم يسن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الدرس ولا ما يشبهه فيقاس عليه، فتشريع مثله استدراك واضح على صاحب الشريعة والله تعالى أعلم .

 

ثانيا : إن اغتنام فرصة اجتماع الناس ممكن من غير وقوع في ابتداع، ومن غير مقارفة لموضع الشبهة على الأقل ، ذلك بأن تذكر تلك الجموع بفضل العلم ووجوب تعلم الضروري من الدين ، وبأن يُدعوا إلى حضور الدروس المسائية اليومية –إن كانت موجودة-. وتفريط الأئمة في أداء واجبهم أو عجزهم عن ذلك لا يسوغ لنا مثل هذا العمل .

 

ومن جعل الدرس بعد الجمعة خرج من المحاذير الشرعية المذكورة ، واغتنم حالة اجتماع الناس، فإن قيل إن بعض الناس ينصرف لأنه غير ملزم بالبقاء، قيل أكثر الناس يتأخر عن درس الجمعة لأنه غير ملزم بالتبكير أيضا، وهذا هو الواقع في أكثر المساجد التي يقل فيها العلم والتعليم.

 

ثالثا : إن في أدلة الشرع ما يلغي اعتبار هذه المصلحة أصلا([51])، وهو ترغيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تقصير الخطبة ، والذي وقع فيه المخالفون صير الخطبة ضئيلة أمام هذا الدرس ، ولقد شوهد اهتمام كثير من الناس بالدرس أكثر من الخطبة التي لم يُبق عليها إلا للبركة ربما، ولذلك عدَّة عوامل منها أن المدرس غالبا ما يكون شابا مستواه العلمي أعلى من مستوى الخطيب الطاعن في السن، ومنها أن الدرس يكون باللغة العامية والخطبة تكون مرتلة ومسجوعة سجعا متكلفا فلا يفهم منها إلا الدعاء ، ومنها أن الدرس إذا استغرق وقتا معتبرا كلَّ الناس وأصابهم الملل مع بداية الخطبة أو في أثنائها .

 

رابعا : إن هذه الدروس أثبت الواقع أنه لا تأثير لها في واقع الناس من حيث انتشار العلم، ففي المناطق التي توقف فيه المدرسون عنها بعد أن تبين حكمها، نجد الناس أكثر ميلا إلى الدين والتزاما بأحكامه وعلما بمسائله ، ولا أدل على ذلك من اكتظاظ هذه المساجد وكثرة طلبة العلوم الشرعية فيها ، وكثرة الحضور لحلق العلم المسائية .

 

وفي المناطق التي تواصل إلقاء هذه الدروس فيها ، نجد عزوف الناس عن العلم ظاهرا وميلهم عن الدين عظيما، والمقصود بهذا التقرير بيان أن مصلحة تعليم الناس ليست موقوفة على هذا الدرس، مما يحتم على المتمسك بهذه العلة أن يبحث عن وسائل أخرى يحقق بها غايته، وذلك بتحليل الواقع بإنصاف ليصل إلى الأسباب الفعلية للتفاوت الظاهر الموصوف في صدر الكلام، وأكتفي هنا بإرشاده إلى ملاحظة مستوى الأئمة العلمي –والديني -الذي إخاله لا ينكر أنه من أبرز العوامل التي أنتجت الفوارق المشهودة المذكورة.

 

المطلب الثالث : المنقول عن الصحابة

 

   قد يتعلق المخالفون ببعض الآثار المروية عن السلف، يستدلون بها على جواز هذا الدرس الراتب، وهذا بيانها وحالها ودلالتها .

 

الفرع الأول : ذكر الآثار وبيان درجتها 

أولا : أثر معاوية بن قرة 

  عن شداد بن سعيد أبي طلحة عن معاوية بن قرة قال:« أدركت ثلاثين من مزينة -كلهم طَعن أو طُعن أو ضَرب أو ضُرب- إذا كان يوم الجمعة اغتسلوا ولبسوا من أحسن ثيابهم وتطيبوا ثم راحوا وصلوا ركعتين ثم جلسوا فبثوا علما»([52]).

 

هذا الأثر ضعيف لا يثبت ، شداد بن سعيد أبو طلحة ضعيف في الحديث، قال الحافظ ابن حجر :" صدوق يخطئ"، وهي مرتبة من لا يحتج بحديثه إذا انفرد، وقد قال فيه الدارقطني: يعتبر به . وقال العقيلي :« له أحاديث لا يتابع عليها ». وذكره ابن حبان بالخطأ في الحديث .

 

فإن قيل : قد وثقه أحمد وابن معين . قيل : لا يتعارض توثيق من وثق بجرح من جرح جرحا مفسرا مبينا ، والجرح المفسر مقدم على التوثيق المجمل، والتوثيق في هذه الحال يحمل على العدالة، أو يقال : إن من وثقه لم يقف على ما يوجب ضعفه، فلا يرد به قول من وقف على ذلك وهو هنا الخطأ في الحديث. 

ثانيا : أثر عن أبي هريرة 

قال ابن أبي شيبة : حدثنا جدي أبو عامر العقدي عن محمد بن هلال عن أبيه كان أبو هريرة يحدثنا يوم الجمعة حتى يخرج الإمام ([53]).

 

وهذا أيضا أثر ضعيف ، محمد بن هلال بن أبي هلال مولى بني كعب وثقه أحمد وغيره ولكن والده مجهول الحال ، قال أبو حاتم -عن محمد بن هلال -: « صالح ، وأبوه ليس بالمشهور ». وقال الذهبي:« لا يعرف »، وإن ذكره ابن حبان في الثقات فذلك لا ينفعه لأنه مجهول الحال ولم يرو عنه إلا واحد ، وابن حبان مشهور بالتساهل في توثيق المجاهيل كما لا يخفى والله تعالى أعلم .

 

ثالثا : أثر آخر عن أبي هريرة

 

قال الحميدي ثنا سفيان ثنا زياد (هو ابن سعد) قال: قلت لثابت الأعرج من أين سمعت من أبي هريرة؟ فقال كان موالي يبعثوني يوم الجمعة آخذ لهم مكانـاً (أمام) المنبر فكان أبو هريرة يجيء قبل الصلاة فيحدث الناس فكنت أسمع([54]). وهذا أثر ظاهره الصحة.

 

رابعا : أثر آخر عن أبي هريرة

 

روى عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه قال كان أبو هريرة يقوم يوم الجمعة إلى جانب المنبر فيطرح أعقاب نعليه في ذراعيه ثم يقبض على رمانة المنبر يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، قال محمد  e قال رسول الله e، قال الصادق المصدوق e، ثم يقول في بعض ذلك ويل للعرب من شر قد اقترب فإذا سمع حركة باب المقصورة بخروج الإمام جلس ([55]).

 

وهذا أيضا أثر صحيح .

 

خامسا : أثر عن ابن عمر

 

قال ابن أبي شيبة حدثنا زيد بن حباب قال أخبرنا الضحاك بن عثمان قال أخبرني نافع عن ابن عمر أنه كان يتربع ويستوي في مجلسه يوم الجمعة قبل أن يخرج الإمام([56]). 

سادسا : أثر السائب بن يزيد 

عن ابن وهب قال ثنا أسامة بن زيد أن محمدا بن يوسف حدثه أنه سمع السائب بن يزيد رضي الله عنه([57]) يقول:" كنا نتحلق يوم الجمعة قبل النداء الأول فإذا نودي للصلاة قمنا ([58]).

 

وكذلك هذا الأثر ظاهره الصحة والله أعلم .

 

 الفرع الثاني : نقد دلالة هذه الآثار وحجيتها

 

أولا : أن هذه الآثار كلها لا دلالة فيها على المطلوب

 

إن هذه الآثار ما صح منها يدل على جواز التحديث والتحلق بعيدا عن الناس الذين يصلون أو يتلون القرآن وهم ينتظرون خروج الخطيب، بحيث لا ينـزعجون بهذا التحديث، كأن يكون حديثا بين اثنين أو حديث واحـد لاثنين بحيث لا يرتفع الصـوت فيشوش على من لم يرد الاستماع إليه([59])، ومثله أن يكون ذلك بعيدا عن الصفوف، وكلا الصورتين خارجتين عن محل النـزاع([60]). قال البيهقي يكره التحلق في المسجد إذا كانت الجماعة كثيرة والمسجد صغيرا وكان فيه منع المصلين عن الصلاة([61]).

 

واحتمال كون هؤلاء الصحابة فعلوا ذلك لحاجة عرضت لهم؛ احتمال وارد غير مدفوع ، يدل عليه عدم انتشار العمل به وعدم استمراره ، وهذه الصورة أيضا مستثناة كما سيأتي النص عليه في مطلب خاص.

 

ثانيا : لا حجة في قول وعمل أحد مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم

 

بعد التسليم بصحة هذه الآثار ، فإننا نقول إنه لا حجة في قول أحد مع قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مهما كانت مكانتهم ومهما كان عددهم . والصحابي قد لا يبلغه الحديث ولا يدرك وجه المصلحة فيخطئ الرأي ، وهذا أمر لا يخفى على من له دراية بمسائل الفقه والأصول .

 

نعم يحتج بقول الصحابة إذا عدم النص الصريح، ويحتج بقول الواحد الذي لم يعلم له مخالف عند الجمهور، لكن بشرط أن لا يصدم قوله نصا أو مقصدا شرعيا ظاهرا، وهذه الآثار المذكورة لو دلت على محل النزاع، فإنها لا يمكن أن تكون حجة شرعية لما سبق ذكره والله تعالى أعلم .

 

 

 

المطلب الرابع : من حجج المقلدين

 

 

 

الفرع الأول : عمل الإمام مالك

 

ومما قد يتمسك به بعضهم ما نقله ابن القاسم عن مالك في المدونة من أنه كان يحدث الناس يوم الجمعة، قال ابن القاسم:» رأيت مالكا والإمام يوم الجمعة على المنبر قاعد ومالك متحلق في أصحابه قبل أن يأتي الإمام، وبعد ما جاء يتحدث ولا يقطع حديثه ولا يصرف وجهه إلى الإمام ويقبل هو وأصحابه على حديثهم كما هم حتى يسكت المؤذن ، فإذا سكت المؤذن وقام الإمام للخطبة تحول هو وأصحابه إلى الإمام فاستقبلوه بوجوههم. قال ابن القاسم: وأخبرني مالك أنه رأى بعض أهل العلم ممن مضى يتحلق يوم الجمعة ويتحدث « ([62]).

 

وهذا الأثر كل ما يستفاد منه أن الإمام مالكا وبعض أهل العلم كانوا يتحدثون قبل الجمعة حتى يشرع الإمام في الخطبة، وليس في مثل هذا التحديث مخالفة لمقاصد شرعية بينة (لأن درسه لم يكن درسا عاما) ، ولا هو ابتداع في الدين (لأنه لم يتقصد تخصيص هذا الزمن بالتحديث)، إلا أن فيه مخالفة للحديث الصحيح المذكور من جهة العموم، والإمام مالك وغيره من أهل العلم ممن يحتج لهم لا ممن يحتج بهم ، وإنما يحتج من الآثار بآثار الصحابة ما لم تخالف سنة، وما لم يختلف الصحابة فيما بينهم ، وفي هذه الحال يعتذر له ويقال لعله لم يبلغه الحديث([63]).

 

وهو الذي قال : كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى الحجرة النبوية .

 

ونذكر أن الذي يجري على أصول مذهبه، هو القول ببدعية هذا الدرس على الوجه المعمول به اليوم- كما سبق تخريجه عنه-، خاصة مع اعتقاد لزومه وإلزام الناس به.

 

الفرع الثاني : موقف علماء الجمعية

 

ومما يتمسك به بعضهم أن علماء الجزائر كابن باديس وغيره لم ينكروه، بل هم من نشره وعممه ، وهذا دليل على أنهم لم يعدوه من البدع .

 

فنقول كذلك العلماء عند أهل الدليل يستدل لهم ولا يستدل بهم ، وإنما الاستدلال بفعل العالم هو شأن المقلد الذي لا يفهم الدليل وحقيقة البدعة ، وأما علماء الجزائر أيام الاستعمار الفرنسي، فقد علم الخاص والعام وجه إقرارهم لهذا الدرس، وهو عزوف الناس عن العلم في ذلك الوقت، وانشغالهم عنه إلى لقمة العيش؛ حيث كان يعمل أحدهم نصف يومه أو ثلثيه من أجل تأمين الغذاء الذي يضمن به البقاء ، وكذلك حال الخطباء العاطلين الذين نصبتهم الإدارة الفرنسية أصحاب الخطب المسجوعة المرتلة التي كثيرا ما تختم بالدعاء للخليفة العثماني!!! فهذا الدرس بالنسبة لأهل ذلك الزمان بمثابة الميتة التي يجوز أكلها للمضطر، وما جاز في مثل هذه الحال لا يعني جوازه بكل حال، فضلا عن أن يفرض فرضا.

 

المطلب الخامس : من الناس من لا يفهم اللغة العربية

 

   ومن حجج من يستبيح درس الجمعة ويغلو في تعظيمه أن في بعض المناطق من بلادنا كثير من الناس لا يفهم العربية كمنطقة القبائل، ومنه فإنه من المستحسن أن يترجم الخطيب خطبته في درس قبل الجمعة باللهجات المحلية.

 

والجواب عن هذا: إنه يجوز أن تكون الخطبة بغير العربية إذا كان المخاطبون لا يفهمون العربية على القول الصحيح من مذاهب أهل العلم، وهذا مذهب الحنفية([64])، وبعض الشافعية ([65])وأحمد في رواية ([66])، وهو اختيار ابن باز والعثيمين([67]).

 

لأن المقصود من الخطبة الوعظ وهو حاصل بكل اللغات، ولا تعبد بألفاظ الخطبة.

 

فإن قيل: إن للخطبة أركانا منها حمد الله تعالى والصلاة على رسوله e والأمر بالتقوى وقراءة آية .

 

الجواب : بعد التسليم بركنية ما ذكر يقال: هذه يأتي بها باللغة العربية خروجا من الخلاف، وباقي الخطبة بلغة القوم التي يفهمونها لأن الله تعالى يقول: ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ[ (إبراهيم 4).

 

ومنه فإنه لا معنى للجمود على قول بعض المالكية والشافعية ([68]) الذين غلوا في هذه المسألة حتى أسقطوا الجمعة على أهل البلاد التي لا يوجد فيها من يخطب بالعربية.

 

نص فتوى اللجنة الدائمة

 

السؤال :

 

قد وقع بيننا مشادة ومجادلة شديدة بيني وبين قومي في خطبة الجمعة ؛ هل يجوز للإمام أن يترجمها إلى لغة أجنبية عندما يقرؤها على المنبر أو لا يجوز ؟ أرجوكم إذا كان من الممكن أن نترجمها إلى اللغة الإنجليزية ، جزاكم الله خيرا.

 

الجواب :

 

لم يثبت في حديث عن النبي e ما يدل على أنه يشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية ، وإنما كان e يخطب باللغة العربية في الجمعة وغيرها ؛ لأنها لغته ولغة قومه ، فوعظ من يخطب فيهم وأرشدهم وذكرهم بلغتهم التي يفهمونها، لكنه أرسل إلى الملوك وعظماء الأمم كتبا باللغة العربية ، وهو يعلم أن لغتهم غير العربية ، ويعلم أنهم سيترجمونها إلى لغتهم ليعرفوا ما فيها.

 

وعلى هذا يجوز لخطيب الجمعة في البلاد التي لا يعرف أهلها أو السواد الأعظم من سكانها اللغة العربية أن يخطب باللغة العربية ثم يترجمها إلى لغة بلاده ؛ ليفهموا ما نصحهم وذكرهم به، فيستفيدوا من خطبته، وله أن يخطب خطبة الجمعة بلغة بلاده مع أنها غير عربية، وبذلك يتم الإرشاد والتعليم والوعظ والتذكير ويتحقق المقصود من الخطبة، غير أن أداء الخطبة باللغة العربية ثم ترجمتها أولى؛ جمعا بين الاهتداء بهدي النبي e في خطبته وكتبه، وبين تحقيق المقصود من الخطبة خروجا من الخلاف في ذلك وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ([69]).

 

نص كلام ابن عثيمين

 

قال العثيمين :« وإن كان يخطب في غير العرب : قال بعض العلماء : لابد أن يخطب أولا بالعربية، ثم يخطب بلغة القوم الذين عنده، وقال آخرون : لا يشترط أن يخطب بالعربية، بل يجب أن يخطب بلغة القوم الذين يخطب فيهم ، وهذا هو الصحيح ، لقوله تعالى :] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ[ ، ولا يمكن أن ينصرف الناس عن موعظة وهم لا يعرفون ماذا قال الخطيب، والخطبتان ليستا مما يتعبد بألفاظهما حتى نقول لابد أن تكونا باللغة العربية ، لكن إذا مر بالآية فلابد أن تكون بالعربية، لأن القرآن لا يجوز أن يغير عن اللغة العربية »([70]).

 

المطلب السادس : الاعتذار عن الأخذ بالحديث

 

    وقد اعتذر المخالفون عن الأخذ بالحديث الوارد في الباب بعدة اعتذارات ، هذا بيانها مع تزييفها.

 

الفرع الأول : المراد بالحديث التحلق لأمور الدنيا

 

قيل بأن المراد بالحديث التحلق لأمور الدنيا وعلومها ، وجواب هذا أنه تخصيص بلا مخصص وتحكم بلا دليل، وخلاف ما فهمه شُرَّاح الحديث ؛ الخطابي والبغوي وغيرهما فقد خصوا حلق العلم والمذاكرة بالذكر([71])، وقال المباركفوري :« أي نهى أن يجلسوا محلقين حلقة واحدة أو أكثر وإن كان لمذاكرة العلم ، وفيه دليل على حرمة التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة »([72]).

 

الفرع الثاني : المراد النهي عن قطع الصفوف

 

وقيل أيضا إن النهي ورد لأجل الحلق التي تقطع الصفوف فإذا اجتنب ذلك لم يكن هناك حرج.

 

والجواب: إن هذا تعطيل للحديث بالظن والاحتمال، فالعلة المفترضة ليس في الحديث ما يُعيِّنُها، بل لو دققنا البحث لوجدنا فيه ما يردها، فإن قطع الصف لا يحصل بالحلق فحسب، فلو كان مقصودا لنُهى عنه مباشرة ولا يُنه عن أحد أسبابه، ونحن نشترط لصحة التعليل الشاهد الشرعي المعتبر، ولا شاهد يدل على وجوب تسوية الصفوف في الخطبة أو قبلها.

 

الفرع الثالث : المراد النهي عن تعدد الحلق

 

وقيل إنما نهى عن كثرة الحلق لا عن حلقة واحدة ، وهذا أيضا مجرد افتراض لا عاضد له ، ويرده لفظ "التحلق " الذي يعم الواحدة والأكثر، ومفهوم هذا التأويل أن الرسول e أمر بالحلقة الواحدة وليس في الحديث ما يدل على هذا ، ولا في السُّنة العملية ، ولا في فهم العلماء المتقدمين .

 

الفرع الرابع : المراد النهي عن التحلق أثناء الخطبة

 

وقيل أيضا إنما نهى عن التحلق أثناء الخطبة([73])، وهذا فهم بعيد كل البعد عن روح الحديث ومعناه، فإن الكلام في أثناء الخطبة ممنوع سواء كان بين فردين أو في حلقة، وما دام النبي e أمر بالإنصات للخطبة يوم الجمعة فهو مستغن عن مثل هذا النهي، الذي لا يتصور وقوع موضوعه .

 
 

المبحث الرابع : حكم من أكره على هذا الدرس

 

 ومن القضايا التي ينبغي الوقوف عندها؛ حكم من أكره على إلقاء الدرس قبل خطبة الجمعة، وسنبحث هذه القضية من خلال بيان حكم الإلزام في المسائل الاجتهادية ، لأنه معنى الإكراه المشار إليه، ثم نبين قضية أخرى يغفل عنها كثير من الناس وهو أن الإكراه إذا وقع لابد أن لا يغير الاعتقادات وإنما يقتصر على الأفعال فقط، وبعدها نتعرض لحكم من أكره عليه عمليا وحكم من يفعله لمصلحة راجحة، ونختم البحث بمسألة مرتبطة بهذه القضايا وهي حكم شهود العامة لهذا الدرس ، وذلك في المطالب الآتية :

 
 

المطلب الأول : حكم الإلزام في المسائل الاجتهادية

 

   ومن المسائل الجديرة بالبحث بعد ما سبق بيانه، مسألة الإلزام في الفتوى والقضاء، لأن بعض من غلا في تعظيم هذا الدرس ذهب إلى إلزام أئمة المساجد به.

 

والمقصود أن من اعتقد مشروعية أمـر مختلف فيه بين العلماء المعتبرين، (وليس في العلماء من زعم أن درس الجمعة واجب) فلـه أن يقوم بـه، وليس له أن يفرضه على غيره سواء كان عالما أو مقلدا، وسواء كان حاكما أو محكوما، وإنما يصح الإلزام في الأمور القطعية في الشريعة الثابتة بالنص أو الإجماع، لأن مصدر الإلزام في هذه الحال هو صاحب الشريعة، لا رأي مجتهد معين معرض لإصابة حكم الله تعالى ولمجانبته.

 

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية([74]) عمن ولي أمرا من أمور المسلمين ومذهبه لا يجوز شركة الأبدان ، فهل يجوز له منع الناس؟

 

فأجاب :« ليس له منع الناس من ذلك ولا نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد ، وليس معه نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا ما هو في معنى ذلك …»([75]). وقال أيضا:« ولي الأمر إن عرف ما جاء به الكتاب والسنة حكم بين الناس به، وإن لم يمكنه أمكنه أن يعرف ما يقول هذا وما يقول هذا ، حتى يعرف الحق حكم به . وإن لم يمكنه لا هذا ولا هذا ترك المسلمين على ما هم عليه كل يعبد الله حسب اجتهاده ، وليس له أن يلزم أحدا بقبول قول غيره وإن كان حاكما . وإذا خرج ولاة الأمور عن هذا فقد حكموا بغير ما أنزل الله ووقع بأسهم بينهم …وهذا من أعظم أسباب تغير الدول ، كما قد جرى مثل هذا مرة بعد مرة في زماننا وفي غير زماننا ، ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره، فيسلك مسلك من أيده الله ونصره ، ويجتنب من خذله الله وأهانه…»([76]).

 

ومن الأدلة الواضحة على فساد الإلزام في مسائل الاجتهاد أن المكلف لا يجوز له شرعا أن يعمل بخلاف ما يعتقده.

 

وبعض الناس يردد هنا القاعدة الفقهية التي تنص على أن:" حكم الحاكم يرفع الخلاف"، وهي قاعدة صحيحة، لكن ليس هذا معناها وموضع تطبيقها ، إذ المقصود بحكم الحاكم قضاء القاضي وحكمه بين الخصوم، وذلك لابد أن يكون ملزما لكل من تحاكم إليه، فلا يصلح للمحكوم عليه بمذهب مالك مثلا أن يعترض ويقول: ولكني شافعي ومذهب الشافعي مخالف لمالك في هذه القضية، لا يصح اعتراضه هذا لأنه سيؤدي إلى إبطال أحكام القضاة، ذلك أن كل من حكم عليه بشيء سيزعم أنه غير مقتنع فقهيا بهذا الحكم. وكذلك من معناها أنه لا يجوز لقاض آخر أن يحكم في هذه القضايا التي نفذ فيه حكم الأول بخلاف حكمه، لما سيجلب ذلك من الاضطراب والفوضى([77])، فحكم الحاكم يرفع الخلاف في القضايا المعينة التي يتنازع فيها الخصوم، وليس في التشريعات العامة والملزمة لكل الناس على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم.

 

قال ابن تيمية رحمه الله وهو يشرح هذا المعنى ويقرر الفرق بين الصورتين:«فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحد أن يلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك. ومن اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر، وحكام المسلمين يحكمون في الأمور المعينة([78]) لا يحكمون في الأمور الكلية([79])، وإذا حكموا في المعينات فعليهم أن يحكموا بما في كتاب الله ، فإن لم يكن فبما في سنة رسول الله e فإن لم يجدوا اجتهد الحاكم برأيه»([80]).

 

زيادة على هذا فالأمر هنا متعلق بعبادة من العبادات ، والقضاء لا يتعلق بها في حال من الأحوال ، وإنما تتعلق بها الفتاوى التي خاصيتها عدم الإلزام ، وقد نص على الإمام القرافي([81]) رحمه الله إذ قال : « اعلم أن العبادات كلها على الإطلاق لا يدخلها الحك البتة ، بل الفتيا فقط ...بل ما يقال في ذلك إنما هو فتيا إن كانت مذهب السامع عمل بها ، وإلا فله تركها والعمل بمذهبه ، ويلحق بالعبادات أسبابها ؛ غ‘ذا شهد بهلال رمضان شاهد واحد فأثبته حاكم شافعي وتأدى في المدينة بالصوم ، لا يلزم ذلك المالكي لأن ذلك فتيا لا حكم »([82]).

 

ثم قال مبينا موضع هذه القاعدة : « بل حكم الحاكم يؤثر في مسألة اجتهادية تتقارب فيها المدارك لأجل مصلحة دنيوية »([83])

 

 

 

المطلب الثاني : حكم من يفتي بخلاف ما يعتقده

 

 ولابد أن نتنبه إلى أمر مهم جدا ربما غفل عنه أناس كثيرون، وهو أن الإكراه على فعل المعصية غير الإكراه على الفتوى والتحليل والتحريم، وأن عمل الإنسان بخلاف ما يعتقد غير عن فتواه بخلاف ما يعتقد، وإن شأن هذا الأخير خطير جدا، وقد رأيت أن أنقل كلاما نفيسا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يشرح فيه هذا الأمر حيث قال :« فالحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله وليس لأحد أن يخرج عن شيء مما شرعه الرسول، وهو الشرع الذي يجب على ولاة الأمر إلزام الناس به، ويجب على المجاهدين الجهاد عليه ويجب على كل واحد اتباعه ونصره . وليس المراد بالشرع اللازم لجميع الخلق حكم الحاكم، ولو كان الحاكم أفضل أهل زمانه بل حكم الحاكم العالم العادل يلزم قوما معينين تحاكموا إليه في قضية معينة لا يلزم جميع الخلق ولا يجب على عالم من علماء المسلمين أن يقلد حاكما لا في قليل ولا في كثير، إذا كان قد عرف ما أمر الله به ورسوله،بل لا يجب على آحاد العامة تقليد الحاكم في شيء،بل له أن يستفتى من يجوز له استفتاؤه وإن لم يكن حاكما، ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله، واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة([84])، قال تعالى:}  آلمص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ[ (الأعراف:1-3). ولو ضرب وحبس وأوذي بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذي يجب اتباعه واتبع حكم غيره، كان مستحقا لعذاب الله([85])، بل عليه أن يصبر وإن أوذي في الله، فهذه سنة الله في الأنبياء وأتباعهم قال الله تعالى:] ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[ (العنكبوت:2-3) . وقال تعالى : ]وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ[ (محمد:31) وقال تعالى : ] أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [ (البقرة:214). وهذا إذا كان الحاكم قد حكم في مسألة اجتهادية قد تنازع فيها الصحابة والتابعون فحكم الحاكم بقول بعضهم، وعند بعضهم سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تخالف ما حكم به، فعلى هذا أن يتبع ما علم من سنة رسول الله ويأمر بذلك ويفتى به ويدعو إليه، ولا يقلد الحاكم هذا كله باتفاق المسلمين. وإن ترك المسلم عالما كان أو غير عالم ما علم من أمر الله ورسوله لقول غيره كان مستحقا للعذاب، قال تعالى:] فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ (النور:63) وإن كان ذلك الحاكم قد خفي عليه هذا النص مثل كثير من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، وتكلموا في مسائل باجتهادهم وكان في ذلك سنة لرسول الله تخالف اجتهادهم فهم معذورون لكونهم اجتهدوا و} لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [ (البقرة:286) ولكن من علم سنة رسول الله لم يجز له أن يعدل عن السنة إلى غيرها، قال تعالى :] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً[ (الأحزاب:36) ، ومن اتبع ما بعث الله به رسوله كان مهديا منصورا بنصرة الله في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى :]إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ[ (غافر:51) ، وقال تعالى :] وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ[ (الصافات:171-173) وإذا أصابت العبد مصيبة كانت بذنبه لا باتباعه للرسول »([86]).

 

وإذ تحدثنا عن قضية الإلزام في المسائل الاجتهادية، فهذا لا يعني بتاتا أنا نعتقد أن هذه المسألة –مسألة درس الجمعة - من جنس المسائل الاجتهادية، والذي أعتقده أن هذه المسألة بهذه الصورة التي ظهرت بها أصبحت تشريعا يضاهي أحكام الله تعالى([87])، نعم الاجتهاد يبقى في بعض الصور الجزئية، كحدوث طارئ قبل الخطبة أو وجود منكر وجب تغييره، فهنا مجال للنظر والبحث هل يجوز ذلك على وجه الاستثناء من الحكم العام ؟ وكذلك إذا كنا في زمن مثل الزمن الاستعماري ، حيث يكون الأئمة الرسميون من أدوات التضليل للأمة، فهل يجوز للداعية المصلح السلفي الذي لا يمكنه ارتقاء المنبر أن يستغل هذا الدرس لتنوير الناس وردهم إلى الصراط المستقيم ؟ ومن مواضع الاجتهاد أيضا حالة فرض هذا الدرس تعنتا، فهل يرخص به لهذا الإمام ليحافظ على منصب الإمامة، وعلى دعوته إن كانت له دعوة؟ أما القول بوجوبه وفرضه على الناس وتفضيله على خطبة الجمعة فهذا مما لا يمكن عده من مسائل الاجتهاد في حال من الأحوال.

 

المطلب الثالث : هل من رخصة لمن أكره عليه؟

 

 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :» قد يقترن بالحسنات سيئات إما مغفورة أو غير مغفورة، وقد يتعذر أو يتعسر على السالك سلوك الطريق المشروعة المحضة، إلا بنوع من المحدث لعدم القائم بالطريق المشروعة علما وعملا، فإذا لم يحصل النور الصافي بأن لم يوجد إلا النور الذي ليس بصاف وإلا بقي الإنسان في الظلمة، فلا ينبغي أن يعيب الرجل وينهى عن نور فيه ظلمة إلا إذا حصل نور لا ظلمة فيه، وإلا فكم ممن عدل عن ذلك يخرج عن النور بالكلية إذا خرج غيره عن ذلك لما رآه في طرق الناس من الظلمة، وإنما قررت هذه القاعدة ليحمل ذم السلف والعلماء للشيء على موضعه« ([88]).

 

فهذه قاعدة ذهبية يغفل عنها كثير من الناس، فيفرون من بعض التفريط فيقعون في العنت والشدة التي توصلهم إلى التفريط كله، ومن مستندات هذه القاعدة صنيع الخضر عليه السلام لما خرق السفينة، ثم قال :] أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [ (الكهف:79) فرجح بقاء السفينة وهي معيبة على ذهابها وهي سليمة.

 

وإذا أردنا تطبيق هذه القاعدة على هذا الدرس فعلينا أن ننظر في طريقة فرضه، وفي نوع المفسدة المتوقعة من عدم الالتزام به، والأهم بعد ذلك النظر في حجم المصالح التي قد تضيع إذا فقد هذا الإمام منصبه، فليس الأخذ بهذه الرخصة أمرا مشروعا مطلقا، فضلا عن أن يكون واجبا بكل حال، بل الأمر يختلف باختلاف الأحوال، وما اقتضاه ميزان المصالح والمفاسد التي يقدرها من يرجع إليه من أهل العلم، ولكل قضية فتواها ولا قياس في الرخص.

 

فإن كانت المصالح التي يحققها الإمام ضئيلة، وهي حاصلة به أو بغيره ، أو كانت مساوية لمفسدة الدرس فإنه لا وجه للترخيص له، لأن المنكر لا يزال بما هو أكبر منه أو مساو له ، ولانعدام العلة التي لأجلها شرعت الرخصة وهي الحفاظ على النور الذي يفترض أن يكون أكبر من ظلمة هذا الدرس.

 
 

المطلب الرابع : حكم من يفعله أحيانا لمصلحة راجحة

 
 

أما إذا قدم الإمام تذكيرا أو تنبيها قبل الجمعة لمصلحة راجحة ، فإن ذلك لا يدخل في معنى الابتداع الذي ذكرنا ، ويشترط أيضا أن لا يخل بالمقاصد الشرعية التي أشرنا إليها ، فلا يطيل في تذكيره ولا يداوم عليه، وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة التي سبق نقلها :» أما إذا دعت الحاجة لإيضاح وبيان أمر يهم المسلمين أو له علاقة بصلاة الجمعة أو خطبتها ونحو ذلك، ونبه عليه دون أن يكون له صفة الاستمرار والتوالي فلا بأس في ذلك، إن شاء الله وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم »([89]).

 

وقد أشار إلى نحو هذا المعنى الطحاوي رحمه الله تعالى إذ قال :» والتحلق فيه قبل الصلاة مما عمه من ذلك فهو مكروه، وما لم يعمه منه ولم يغلب عليه فليس بمكروه « ([90]).

 

ومما يمكن أن يستدل به لهذا الاستثناء  حديث أبي رِفَاعَةَ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ e وَهُوَ يَخْطُبُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ e وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا قَالَ فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ e وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا([91]). ووجهه –بعد التسليم بأن الخطبة خطبة جمعة –أنه إذا جاز قطع الخطبة لتعليم من احتاج إليه في وقتها، فجواز ذلك قبل وقتها من باب أولى ، والله أعلم .

 
 

المطلب الخامس : حكم شهود درس الجمعة

 

 اختلفت أنظار من استفتي من أهل العلم في هذه القضية ، فمنهم من قال حضور هذا الدرس غير جائز لأنه بدعة ولا يجوز لمن اعتقد بدعيته شهوده وحاصل ما يستند إليه هذا القول الوجهان الآتيان:

 

الأول : أن في ذلك إقرارا للمنكر ، والمسلم لابد أن ينكره بقلبه وهو أضعف الإيمان ومقتضاه الانصراف عن شهوده .

 

الثاني : أن في ذلك تشجيعا لأهله وتكثيرا لسوادهم، والواجب هو هجر هذا الدرس زجرا لصاحبه حتى يرتدع عنه.

 

والصحيح في هذه المسألة حسب ما ظهر لي –والله أعلم -أن يسلك فيها سبيل التفصيل لا سبيل الإجمال والتعميم، لأنه لابد أن يفرق بين الأحوال المختلفة في مثل هذه الأمور، فلابد أن يفرق بين من يفعله مضطرا ومن يفعله تعبدا، وبين ما إذا كان الدرس موجودا في جميع مساجد المنطقة أو في بعضها دون بعض.

 

الحالة الأولى :

 

فإذا افترضنا أن المدرس يفعله أحيانا على وجه الاضطرار لدفع شر أعظم، فإنه لا يشرع هجر درسه بتاتا، لأن فعله هذا إن كان لدفع شر أعظم فهو مشروع غير منكر، وليس في حضور من حضر إقرارا للمنكر بل ولا في تدريس من درس، لأنه يفترض أنه يبين للناس أنه ليس بمشروع وإنما هو يفعله اتقاء الشر. ومن كان هذا حاله فلا يشرع زجره ولا هجره، لأن الزجر والهجر إنما يكون عقوبة لمن عصى وهذا ليس بعاص .

 

الحالة الثانية :

 

وكذلك إذا افترضنا أن جميع الخطباء في منطقة ما يدرسون قبل الجمعة على وجه التعبد والابتداع، فكذلك لا يشرع الهجر هنا، لأنه ليس بأسلوب ناجع مع غلبة البدعة وعمومها، وكذلك الوجه الأول المذكور وهو مفسدة إقرار المنكر وشهوده معارض في هذه الحال بمفاسد أخرى منها التأخر وعدم التبكير إلى الجمعة، وقد يجلس الإمام على المنبر قبل دخول المصلي إلى المسجد([92])، وهذه الأخيرة مصلحة أعظم من مصلحة هجر بدعة إضافية، ومن المفاسد الواقعة حدوث مظهر من مظاهر التفرقة بين الأمة والتميز عن بقية المسلمين في عبادة جماعية في يوم مشهود وهو الجمعة([93])، الأمر الذي يؤدي حتما إلى زيادة الأحقاد والنفرة عن دعوة أهل الحق والسنة، خاصة مع غلبة البدعة على كثير من أئمة المساجد وغلبة الجهل على عموم الأمة.

 

الحالة الثالثة :

 

أما إذا افترضنا أن بعض الخطباء يفعل هذا الدرس ابتداعا، وغيره من الخطباء المجاورين لا يفعله، فهنا لا ينبغي أن يختلف في ترجيح هجره (وجوبا أو ندبا) لأن تكثير سواد أهل السنة أمر مطلوب، ولأن الابتعاد عن البدعة وأهلها أمر مقصود في الشرع، وكذلك فإن تحقيق المصلحتين المذكورتين في صدر الكلام ممكن من غير حدوث مفسدة أكبر أو تضييع مصلحة راجحة، وإن الزجر هنا إذا تخلف ولم يتحقق فإنه على الأقل لا يحدث ظهور التفرقة للعامة علانية كما وصفنا في الحالة قبلها والله تعالى أعلى وأعلم .

 


[1]/ أبو داود (1079) الترمذي (322) النسائي (714) ابن ماجة (1133) وحسنه الألباني .

[2]/ ابن خزيمة (1306).

[3]/ قال البخاري :« رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيدة وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد من المسلمين»، وقال إسحاق بن راهويه:« إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر » انظر تهذيب التهذيب (8/43-46) وأخرج البيهقي (9564) أثرا بهذا الإسناد وقال : هذا إسناد صحيح وفيه دليل على صحة سماع شعيب بن محمد بن عبد الله من جده عبد الله بن عمرو، وصحح الأثر الألباني في الإرواء (1043). وقال ابن القيم في أعلام الموقعين (2/184 ت: مشهور):« وقد احتج الأئمة الأربعة والفقهاء قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، ولا يعرف في أئمة الفتوى إلا من احتاج إليها واحتج بها » .

[4]/ هو أبو بكر محمد بن عبد الله المعافري القرطبي ، الفقيه الأصولي المحدث والمتكلم المشهور ، صاحب الرحلة المشرقية ، أخذ عن الطرطوشي والغزالي والشاشي ، ومن تلاميذه ابن بشكوال والقاضي عياض، ومن مصنفاته المسالك في شرح موطأ الإمام مالك ، والقبس وعارضة الأحوذي وأحكام القرآن والمحصول من علم الأصول، توفي سنة (543)ودفن بفاس. انظر الصلة لابن بشكوال (3/855) بغية الملتمس للحميدي (1/125) الديباج المذهب لابن فرحون (376)..

[5]/ عارضة الأحوذي لابن العربي (2/119).

[6]/ قال ابن القيم في بدائع الفوائد (4/989-990):« دلالة الاقتران تظهر قوتها في موطن وضعفها في موطن ويتساوى الأمران في موطن:

فإذا جمع المقترنين لفظ اشتركا في إطلاقه وافترقا في تفصيله قويت الدلالة كقوله الفطرة خمس …ومن ذلك قوله على كل مسلم أن يغتسل يوم الجمعة ويستاك ويمس من طيب بيته  …

وأما الموضع الذي يظهر ضعف دلالة الاقتران فيه فعند تعدد الجمل واستقلال كل واحدة منها بنفسها كقوله لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة، وقوله لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده،.. فالتعرض لدلالة الاقتران ههنا في غاية الضعف والفساد فإن كل جملة مفيدة لمعناها وحكمها وسببها وغايتها منفردة به عن الجملة الأخرى واشتراكهما في مجرد العطف لا يوجب اشتراكهما فيما وراءه وإنما يشترك حرف العطف في المعنى إذا عطف مفرد على مفرد فإنه يشترك بينهما في العامل كقام زيد وعمرو وأما نحو اقتل زيدا وأكرم بكرا فلا اشتراك في معنى …

وأما موطن التساوي فحيث كان العطف ظاهرا في التسوية وقصد المتكلم ظاهرا في الفرق فيتعارض ظاهر اللفظ وظاهر القصد فإن غلب ظهور أحدهما اعتبر وإلا طلب الترجيح والله أعلم » وانظر المعنى نفسه في شرح العمدة لابن دقيق (1/87) وانظر أقوال الأصوليين في البحر المحيط (6/99-101).

[7]/ زاد المعاد لابن القيم (1/377).

[8]/ أبو داود (345) الترمذي (496) النسائي (1381) وابن ماجة (1087) وابن حبان (2781).

[9]/ الموطأ للإمام مالك (233).

[10]/ الأم (1/197) ط النجار .

[11]/ انظر التمهيد لابن عبد البر (4/19) .

[12]/ أبو داود (1332) وصححه ابن خزيمة (1162).

[13]/ الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الشافعي . قال الجويني : ( ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منة، إلا البيهقي فإن له على الشافعي، لتصانيفه ونصرة مذهبه وأقاويله ). من مؤلفاته؛ السنن الكبرى، معرفة السنن والآثار، دلائل النبوة، شعب الإيمان. توفي سنة (458) طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (4/8 ) السير للذهبي (18/163).

[14]/ السنن الكبرى للبيهقي (3/234).

[15]/ أخرجه الترمذي (684) عن أبي هريرة وصححه.

[16]/ انظر الأجوبة النافعة للألباني (27-29).

[17]/ الإحرام لقاصدي بيت الله الحرام لأحمد حماني (170).

[18]/ انظر المغني (2/143).

[19]/ البخاري (2550) مسلم (1718).

[20]/ انظر الاعتصام للشاطبي (1/37).

[21]/ الاعتصام (1/286).

[22]/ ومثله نقل الأذان الأول الذي ابتدأه عثمان رضي الله عنه للجمعة من الزوراء إلى المسجد!!!.

[23]/ وهذه من القضايا التي ما زلنا نعجب ممن يدعي أنه مالكي المذهب ثم لا ينكرها بل- أكثر من ذلك- يدعو إليها ولو أمكنه لألزم الناس بها ، وهذه بعض نصوص الإمام مالك رحمه الله في هذه المسألة، قال الشاطبي في الاعتصام (2/30) وهو يشرح صور البدع الإضافية:" ويشبه هذا ما في سماع ابن القاسم عن مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية فكره ذلك وأنكر أن يكون من عمل الناس ، وسئل ابن القاسم أيضا عن نحو ذلك فحكى الكراهية عن مالك ، ونهى عنها ورآها بدعة". ونقل ابن رشد في البيان والتحصيل (18/349) نصوصا أخرى منها:" وسئل عن القوم يجتمعون فيقرؤون السورة الواحدة فقال : لا يعجبني هذا ولا أحبه ، ولكن لو قرؤوا على رجل منهم واحد أو قرأ عليهم رجل منهم لم أر بذلك بأسا ، فقيل له : بل يقرؤون جميعا على رجل واحد منهم ، قال لا يعجبني وأنا أكره الذي بلغني عن بعض أهل الشام يجتمع النفر جميعا فيقرؤون السورة الواحدة فقال : لا يعجبني هذا ولا أحبه ، ولكن يقرأ عليهم رجل منهم ويقرأون عليه واحدا واحدا ، أترى الناس اليوم أرغب في الخير ممن مضى ؟ لم يكن يفعله أحد فلا يعجبني ولا أحبه ". وانظر النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني (1/591) والحوادث والبدع للطرطوشي (160-164) والمعيار المعرب للونشريسي (11/112).

ومن يزعم بأنه ليس أهلا ليفهم كلام مالك وكلام الأئمة المتقدمين من المالكية؛ وإنما يجمد على ما رجحه المتأخرون، نقول له هذا قول خليل في هذه المسألة :"وكره سجود شكر أو زلزلة وجهر بها بمسجد وقراءة بتلحين كجماعة "، وجاء في حاشية البناني على شرح الزرقاني (1/275):"التشبيه بما سبق في الكراهة والمقصود هنا قراءة القرآن بصوت واحد مكروهة عند الإمام مالك لأسباب أربعة وهي: (الأول) مخالفتها لعمل أهل المدينة، قال ابن يونس: لم يكن من عمل الناس ورآها بدعة، (الثاني) أنها تؤدي إلى ترك بعضهم شيئا من القرآن عند ضيق النفس حيث يسبقهم البعض الآخر، (الثالث) أنها تؤدي لعدم الإصغاء للقرآن وهو الذي أمرت به الآية من قوله تعالى : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف:204)، (الرابع) تأديتها إلى المباهاة والمنافسة كما هو مشاهد معلوم ، قال ابن رشد :هذا إنما أنكره مالك لأنه مبتدع ليس من فعل السلف ، ولأنهم يبتغون به الألحان وتحسين الأصوات بموافقة بعضهم بعضا وزيادة بعضهم في صوت بعض ".

[24]/ انظر الاعتصام (2/15).

[25]/ علامة الجزائر الفقيه الأصولي المصلح المجدد رئيس جمعية العلماء الجزائريين، ولد بمدينة قسنطينة في ليلة الجمعة 11 ربيع الثاني 1307هـ (الموافق لـ 4 ديسمبر 1889م)، تعلم بمسقط رأسه ، ثم رحل إلى جامع الزيتونة حيث تتلمذ فيه على مشايخ كبار منهم: محمد الطاهر بن عاشور ومحمد النخلي القيرواني ومحمد الخضر حسين الجزائري، ومن أعظم مشاريعه العلمية التي أنجز رحمه الله في الجامع الأخضر تفسيره للقرآن تدريسا في نحو ربع قرن، وشرحه للموطأ في مدة مقاربة لذلك تدريسا أيضا. وجريدة الشهاب الأسبوعية ثم الشهرية، وأسس مع إخوانه جمعية العلماء التي أنقذت الأمة وأحيت ملة الإسلام في هذه البلاد ، وتخرج على يديه تلاميذ يعدون بالآلاف أبرزهم: مبارك الميلي والفضيل الورتيلاني ومحمد سعيد الزاهري وأحمد حماني ومحمد الصالح رمضان.

توفي رحمه الله تعالى في 8 ربيع الأول 1359هـ (الموافق لـ 16 أفريل 1940م) في العطلة الربيعية فجأة لمرض ألم به..

[26]/ الآثار لابن باديس (2/57).

[27]/ الاعتصام (2/32)طبعة محمد رشيد رضا.

[28]/ ذكر الشاطبي في الاعتصام (1/347) و(2/32) عدة فروع بناها الإمام مالك على هذا الأصل.

[29]/ الآثار (2/57).

[30]/ أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي البصري. الإمام الفقيه المحدث الناقد، إمام الجرح والتعديل. قال الشافعي :« لا أعلم له نظيرا في هذا الشأن». أخذ عن مالك وطبقته، وكان على مذهب أهل المدينة في الفقه. توفي سنة (198). السير (9/192).

[31]/ أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي مولاهم البصري القطان.الحافظ الناقد، قال الذهبي : «تكلم في العلل والرجال، وساد الأقران وتخرج به الأفذاذ ، وكان في الفروع على مذهب أبي حنيفة إذا لم يجد النص ». ومن تلاميذه أحمد بن حنبل والفلاس ومسدد وابن المديني وابن معين. توفي سنة (198). السير للذهبي (9/175).

[32]/ المعجم الأوسط (6/358) والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/63).

[33]/ محمد الصالح بن عتيق من مواليد 6صفر 1321هـ الموافق لـ4ماي 1903في قرية العارصة قرب الميلية في الشمال القسنطيني أحد تلاميذ ابن باديس والمبارك الميلي، نال شهادة التطويع من جامع الزيتونة عام (1351هـ 1932م)، درس بعدها في الميلية ثم في قلعة بني عباس والبليدة ، وسجن سنة 1956م ، وكان أحد أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس لجنة الفتوى فيه سابقا، وتوفي رحمه الله تعالى يوم 8 شوال 1413هـ المواقف لأول أفريل 1993م. انظر كتاب" من أعلام الإصلاح" لمحمد الحسن فضلاء (2/42) وأحداث ومواقف لمحمد الصالح بن عتيق (31-وما بعدها).

[34]/ أحمد بري من مواليد مغنية بتلمسان عام 1922م تلقى مبادئ العلوم على الشيخ محمد السائح خريج جامع القرويين وفي عام 1938م، انتقل إلى تلمسان وانضم إلى دار الحديث ودرس على الإبراهيمي إلى حين نفيه مع اندلاع الحرب العالمية، وقد توفي قبل سنوات (في التسعينيات) ولم أقف على تاريخ وفاته، انظر من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (3/175).

[35]/ أحمد حماني من مواليد 6سبتمبر 1915م بدوار تمنجرت من بلدية العنصر التابعة حاليا لولاية جيجل، درس في مسقط رأسه وبالجامع الأخضر بقسنطينة، ونال شهادة العالمية بالزيتونة سنة 1943. انتمى إلى جمعية العلماء ودرس في معهد ابن باديس من أول افتتاحه إلى سنة 1956م ، وسجن أثناء الحرب مدة خمس سنوات ، وبعد الاستقلال تولى عدة مناصب تعليمية إلى سنة 1973م حيث تولى رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى إلى وفاته، من مصنفاته «صراع بين السنة والبدعة» و»الدلائل البادية على كفر البابية وضلال البهائية « و«الإحرام» وتوفي رحمه الله في 29 جوان 1998م. انظر صراع بين السنة والبدعة (2/285) ومن أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (2/110)

[36]/ ظواهر في العبادات (ص23).

[37]/ أبو عبد الرحمن محمد بن نوح ناصر الدين ، ولد بألبانيا عام 1335هـ(1914م) ونشأ وتعلم في الشام برع في الحديث حتى قال فيه العلامة ابن باز: « ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث في العصر الحديث من العلامة محمد ناصر الدين الألباني » وهو أحد مجددي هذا القرن بث فقه الحديث ونشر عقيدة السلف، من مصنفاته السلسلتين الصحيحة والضعيفة والإرواء وصفة الصلاة وآداب الزفاف وتحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، توفي سنة 1420هـ(1999)، انظر حياة الألباني وآثاره للشيباني .

[38]/ اللمعة لمحمد موسى نصر (68-71) عن شريط سمعي سجله أحمد أبو ليلى وانظر سلسلة الهدى والنور (6،130،136).

[39]/ عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن آل باز، ولد بالرياض عام 1330هـ وبها طلب العلم ومن أهم شيوخه محمد بن إبراهيم آل الشيخ، واشتغل بعدة وظائف من القضاء والتدريس في المعهد العلمي بالرياض ثم كلية الشريعة، عين نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة عند افتتاحها 1381هـ ثم رئيسا لها عام هـ1395، وفي العام نفسه عين رئيسا لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وفي سنة 1413هـ عين مفتيا عاما للمملكة السعودية ورئيسا لهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة ورئيسا لرابطة العالم الإسلامي، من مؤلفاته نقد القومية العربية ، الفوائد الجلية في المباحث الفرضية ، توفي 27 محرم 1420هـ بالطائف، انظر منهج الشيخ ابن باز في القضايا المستجدة لشافي بن مذكر القريشي(36-37) ط1-دار ابن الجوزي، وإمام العصر لناصر بن مسفر الزهراني ، ط1 -1420.

[40]/ الفتوى رقم (2015) نقلا من اللمعة لمحمد موسى نصر (66-76).

[41]/ مسلم (867).

[42]/ مسلم (2674).

[43]/ الآثار (3/275).

[44]/ الآثار (2/65-66).

[45]/ الآثار (5/283).

[46]/ الآثار (5/154).

[47]/ الآثار (1/224).

[48]/ ورد هذا اللفظ عند النسائي (1578) وصححه ابن خزيمة (1785).

[49]/ الآثار (1/386).

[50]/ البخاري (902) مسلم (847).

[51]/ وكل مصلحة صادمت نصا شرعيا فهي ملغاة ، وكذا كل مصلحة عارضها ما هو أقوى منها من المصالح وأرجح كما هو الحال في المسالة محل البحث.

[52]/ مصنف ابن أبي شيبة (1/481) والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/272).

[53]/ مصنف ابن أبي شيبة (1/468).

[54]/ مسند أبي عوانة (3/64) وتابعه علي بن المديني عن سفيان كما في الطبقات الكبرى لابن سعد (5/308).

[55]/ أخرجه الحاكم (1/190 رقم 367) من طريق أحمد بن يونس و(3/585 رقم 6173) من طريق شبابة بن سوار كلاهما عن عاصم، قال الحاكم في الموضع الأول هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه هكذا وليس الغرض في تصحيح حديث ويل للعرب من شر قد اقترب فقد أخرجاه إنما الغرض فيه استحباب رواية الحديث على المنبر قبل خروج الإمام.

[56]/ مصنف ابن أبي شيبة (1/468 رقم 5412).

[57]/ وهو من صغار الصحابة .

[58]/ طبقات المحدثين بأصبهان (4/190) وتابعه ابن المبارك عند ابن أبي شيبة فقال : عن أسامة بن زيد عن يوسف بن السائب عن السائب قال : كنا نتحلَّق يوم الجمعة قبل الصلاة ، فأبدل محمد بن يوسف بيوسف بن السائب وقد خطأه في ذلك ابن أبي حاتم في العلل (1/211).

[59]/ والآثار الثابتة عن أبي هريرة يشملها هذا التوجيه، لأنه لا تلازم بين جلوسه أما المنبر وبين رفعه للصوت بحيث بسمع كل من هو في المسجد .

[60]/ ما فعل أحيانا للحاجة أو كان حديثا بين أفراد خرج عن محل النزع الذي هو الدرس العام الراتب.

[61]/ اللمعة في خصائص الجمعة للسيوطي (56).

[62]/ المدونة (1/148).

[63]/ وهذا الجواب بعينه يرد عما ورد عن بعض المحدثين في الجامع للخطيب (2/63-64) هذا إن كان ثابتا.

[64]/ حاشية ابن عابدين (2/147).

[65]/ المجموع شرح المهذب للنووي (4/440).

[66]/ الإنصاف للمردواي (2/387)

[67]/ هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن سليمان آل عثيمين ولد عام 1347م (1929 م) تعلم مبادئ العلوم بعنيزة ولازم الشيخ السعدي ابتداء من عام 1360 . وفي عام 1372 (1952) التحق بالمعهد العلمي بالرياض فلقي ابن باز والشنقيطي ، (وتخرج من كلية الشريعة عام 1377 هـ) وواصل الدراسة حتى حصَّل على الدكتوراه. اشتغل بالتدريس منذ سن مبكر ، اختير عضوا في هيئة كبار العلماء وله عدة مؤلفات منها : الضياء اللامع من الخطب الجوامع ، الأصول من علم الأصول ، شرح رياض الصالحين ، وشرح كتاب التوحيد ، وشرح العقيدة الواسطية ، وشرح زاد المستقنع وغيرها كثير . توفي في 15شوال 1421هـ (الموافق لـ 10جانفي 2001 م)، ترجمته في عدد خاص من مجلة الحكمة الصادر في ليدز ببريطانيا تأليف تلميذه وليد بن أحمد الزبيري .

 

[68]/ حاشية العدوي (1/471) المجموع شرح المهذب للنووي (4/440) خاصة أن أهل بلادنا قد أظهروا تفتحا عجيبا على المذاهب الإسلامية الأخرى، وخرجوا عن مذهب مالك في مسائل عديدة كإخراج زكاة الفطر نقدا، وتجويز صلاة الغائب مطلقا، وإباحة القراءة الجماعية للقرآن، والخروج إلى عرفة يوم التروية، والحكم بأن الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع طلقة واحدة ….

[69]/ فتاوى اللجنة الدائمة (8/253-254) إمضاء عبد العزيز بن باز وعبد الرزاق عفيفي وعبد الله الغديان .

[70]/ الشرح الممتع (2/318).

[71]/ معالم السنن للخطابي (1/247) شرح السنة للبغوي (3/374).

[72]/ اللمعة لمحمد موسى نصر (63).

[73]/ انظر الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/271-272) حيث قال :" هذا الحديث محمول على أن تكون الحلقة بقرب الإمام بحيث يشغل الكلام فيها عن استماع الخطبة ، أما إذا كان المسجد واسعا والحلقة بعيدة عن الإمام ، بحيث لا يدركها صوته ، فلا بأس بذلك "، وهذا رأي ضعيف لأن الله تعالى يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة:9).

[74]/ أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الدمشقي تقي الدين .قال ابن رجب:« الفقيه المجتهد المحدث الحافظ المفسر الأصولي الزاهد ..شيخ الإسلام علم الأعلام شهرته تغني عن الإطناب في ذكره والإسهاب في أمره ». توفي سنة(728). ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (2/378)..

[75]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (30/79).

[76]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (35/386).

[77]/ انظر الفروق للقرافي (2/179) الفرق السابع والسبعين (4/114-115) الفرق الرابع والعشرين بعد المائة الثانية.

[78]/ المعنى : قضاة المسلمين يحكمون في الخصومات وهي القضايا المعينة.

[79]/ المعنى : التشريعات العامة.

[80]/ منهاج السنة النبوية (5/132).

[81]/ أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي شهاب الدين القرافي المصري، وحيد دهره وفريد عصره انتهت إليه رئاسة الفقه على مذهب مالك، وبرع في الأصول والعلوم العقلية ، وأخذ كثيرا عن العز بن عبد السلام ، من مصنفاته الذخيرة والفروق وشرح تنقيح الفصول ونفائس الأصول والأجوبة الفاخرة والعقد المنظوم ، توفي سنة (684). الديباج لابن فرحون (128).

[82]/ الفروق للقرافي (4/112).

[83]/ الفروق للقرافي (4/114) فقوله تتقارب فيها المدارك احتراز عن الخلاف الشاذ المبني على المدرك الضعيف، وقوله لأجل مصالح الدنيا احتراز عن العبادات كما بين ذلك في شرحه لهذا الكلام .

[84]/ لأنه بدل شرع الله تعالى عن علم واختيار لا عن جهل وإكراه.

[85]/ وهذا الكلام ليس فيه نفي رخصة الإكراه الثابتة في الشرع (سواء على المعصية والبدعة والكفر ) لأن الرخصة ثبتت في الإكراه الملجئ لدفع ضرر واقع أو متوقع من قتل أو إتلاف عضو ونحوه من قادر على تنفيذه، فإذا ارتفع الضرر ارتفعت الرخصة، وإن عاد الضرر والأذى تجددت الرخصة وهكذا، قال تعالى :]مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[ (النحل:106)، أما إذا أكره الإنسان على شيء ثم داوم عليه فهذا لا ينطبق عليه حكم الإكراه ، سئل الإمام أحمد -كما في المغني (10/108)- عن الرجل يؤسر فيعرض على الكفر ويكره عليه أله أن يرتد ؟ فكرهه كراهة شديدة ، وقال : ما يشبه هذا عندي الذين أنزلت فيهم الآية من أصحاب النبي e أولئك كانوا يرادون على الكلمة ثم يتركون يعملون ما شاءوا ، وهؤلاء يريدونهم على الإقامة على الكفر وترك دينهم " .

[86]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (35/372-374).

[87]/ وحقيقة البدعة كما سبق: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسوك عليها الزيادة في التعبد.

[88]/ مجموع الفتاوى (10/364).

[89]/ الفتوى رقم (2015) نقلا من اللمعة (66-76) لمحمد موسى نصر .

[90]/ شرح معاني الآثار (4/359) نيل الأوطار (2/168) عون المعبود (3/294).

[91]/ مسلم (876).

[92]/ قَالَ النَّبِيُّ e:" إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلَائِكَةُ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ "، رواه البخاري(3211) مسلم (850).

[93]/ ومما يدل على هذا الترجيح: ما ثبت عن ابن مسعود أنه صلى خلف عثمان في منى أربعا ثم أنكر عليه، فَقِيلَ لَهُ عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ ثُمَّ صَلَّيْتُ أَرْبَعًا قَالَ الْخِلَافُ شَرٌّ رواه أبو داود (1960)، وما ثبت أيضا عن أبي سعيد أنه صلى خلف مروان لما قدم خطبة العيد على الصلاة وجلس يستمع ولم يظهر الفرقة ، والخبر في صحيح مسلم (49).

تم قراءة المقال 25416 مرة