الأحد 2 رمضان 1438

رمضان في عهد الاستدمار الفرنسي مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(4 أصوات)

1-الأمة في كل عام تنقسم إلى شطرين، فقد ذكر الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله في مذكراته -الطفل- (ص:346-347) أن الشيخ العربي التبسي كان مشرفا على كل التدابير والتقارير التي تهم الناس في تبسة وقال:«خاصة ليلة رمضان وليلة الإفطار، عندما يمسي الشيخ متعلقا بالهاتف إلى ساعة متأخرة، ألو..ألو..قسنطينة..هل رأى أحد الهلال ..ألو..الجزائر..هل..بينما ينتظر الناس أمام المخزن التقرير الذي يعلن الصوم أو الإفطار، تطلق الحكومة من طرفها التعليمات التي يكون أثرها من الغد تقسيم الأمة شطرين من مفطرين وصائمين».
2-سبب الفرقة هو مفتي الحكومة، فقد ذكر ابن باديس رحمه الله (سنة 1935) في مقال أنهم اجتمعوا بإدارة مجلة الشهاب لتلقي ما يرد من الأخبار عن الهلال، ونقل الشهادات التي وصلتهم بثبوت الرؤية، وأنهم تولوا نشر الخبر في أنحاء القطر بالهاتف والبرق، ثم قال: « أصبح الخبر منتشرا في القطر كله، وأفطرت جل البلدان، ولولا بقايا من الذين في قلوبهم مرض لعمّ العيد جميع البلدان، وكان من المقدّر على العاصمة الجزائر أن يقع فيها الخلاف في الفطر كما وقع فيها في الصوم، وكان سبب ذلك أخيرا هو السبب أولا: ذلك المتعنت المخذول [مفتي الحكومة: محمود بن دالي المعروف بكحول المقتول عام (1936)]، كان يعتلّ لخلافه في الصوم بأنه لم تخاطبه هيئة رسمية، وهو لا يقبل إلا الرسميين فخاطبه ليلة الأحد فضيلة الشيخ محمد بن ساسي بنفسه [قاضي قسنطينة] هو ومن كان معه في المحكمة، ورغم هذه المخاطبة الرسمية أبى من العمل بها وأصرّ على رأيه الباطل الذي لا مستند له من وهم ولا شبهة، وكان هذا منه الدليل القاطع عند الناس على تعصبه وعناده..».
3-مات المفتي لكن الحكومة لم تمت، إذ بقي المشكل واقعا على مر السنين ففي سنة 1951 يخبرنا الإبراهيمي رحمه الله عما يحدث في ليلة الشك من كل عام فيقول:«وفيها يجمع الرئيس لجنته للاجتماع التقليدي الذي ينتهي بانتهاء الساعة العاشرة من تلك الليلة، والنتيجة دائما هي هي: توفد اللجنة الشيخين المفتيين [المالكي والحنفي] إلى راديو الجزائر الموضوع تحت تصرفها، ليذيعا على مستمعيه جملتين تقليديتين، إحداهما: لم يثبت رمضان والأخرى: لا تسمعوا للمشوشين، والمشوشون بالطبع هم هذه الأمة التي تسمى جمعية العلماء» الآثار (2/409).
4-أثر التفرق في الصوم ومبرراته، ذكر الإبراهيمي أن الجمعية وأتباعها في الشمال الإفريقي كله يصومون ويفطرون اعتمادا على رؤية أي قطر إسلامي، وقرر أنهم يرون:« عدم العمل بالرؤية الثابتة على هذه الصورة هو قدح في مصدرها، قدح في أمانة المسلمين بلا حجة ولا بينة »..تحدث عن أثر هذا الاختلاف فقال:«أضاع المسلمون بهذا الخلاف كل ما في الأعياد من جلال روحي ومعان دينية واجتماعية، وأصبحت أعيادنا تمر وكأنها مآتم، لا تنبه في النفوس سموًّا ولا تشيع فيها ابتهاجا، ولا تثير فيها حركة إلى جديد ولا سعيا إلى مفيد...وقد يلتقي الأخوان أو الصديقان أو الجاران، وأحدهما مفطر والآخر صائم، فلا تستعلن البشاشة في الوجهين، ولا تنطلق التهنئة من اللسانين…إن من أشنع أنواع آثار التفرق بين المسلمين اختلافهم في صوم رمضان وفي العيدين، ولو كان هذا الخلاف صامتا لا يصحبه تشهير لكان شرًّا مقدّرًا بقدره، ولكن خلافهم في هذا يصحبه تشهير من الصائم على المفطر ومن المفطر على الصائم، وتشنيع ينتهي إلى سبب الخلاف فيثير الأحقاد الدفينة والحزازات الطائفية …ولا مبرر له من اجتهاد أو خلاف مذهبي أو اختلاف مطالع فكل هذه الاعتبارات لا وزن لها في باب العلم ولا محلّ لها في حقيقة الدين» الآثار (4/81-82).

تم قراءة المقال 2395 مرة