مجتمع المعصية
من سوء عاقبة هذه الأمة المنكوبة هذا الشر المستطير في كل أصقاعها وهذه المعاصي المنتشرة في كل أرجائها، وهذه الآثام المقترفة في كل أنحائها وأن ما يقطع الكبد أسى ويمزق القلب ألما أن مظاهر تلك الردّة الجماعية لم تعد كما كانت دائما يستحي من فعلها العاصون ويخاف من كلام الناس الفاسقون، ويستتر عن أعين الناس المبتلون، ويحترز من سطوة السلطان الفاجرون.
فالجديد في الأمر، بعد ضعف سلطان الدين في النفوس وسلطان السلطان في البلاد أنه انتقل الفاجرون والفاسقون من مرحلة اقتراف المعاصي خلوة تسترا وخوفا الى مرحلة الفسق والفجور جهارا جرأة، ثم الى مرحلة أخيرة، وهي الاسراع والتنافس في ارتكاب الفواحش المنكرة والموبقات المتقذرة إعلانا ودعاية، افتخارا واعتزازا
فما أكثر من يعترفون اليوم أمام الجميع بأنهم يرفضون الدين، يمقتون الشرع يكرهون الحجاب، سيتخفون من الصلاة والمصلين يهزؤون من الصيام والصائمين!
ما أكثر من يشتدتون في بلادنا الإسلامية بحرية المرأة وحق الأفراد في ان يستمتعوا بالحرام لأنه حق من حقوق الإنسان!
ما أكثر من ينتقدون المتمسكين بالفضيلة والزاهدين في الرذيلة، وما أكثر ما يلعنون المتلتزمين بأهداب الدين القابضين على الجمر!
كم نسمع اليوم المفتخرين بأنهم فجروا وفسقوا مع عشرات الفتيات يقولونها بعبارات الفسق السافلة، التي يترفع صاحب الحياء عن سماعها فضلا من ذكرها!
ما أكثر ما نرى من شابات في مقتبل العمر، وقد انسلخن عن الأخلاق يتصرفن تصرفات عديمة الحياء وسط الناس في الشوارع الكبرى والحدائق والأماكن العامة، فلا يأبهن إن ارتدين ألبسة فاضحة، ولا إن اختلطن بالرجال اختلاطا لا يحله إلا الشرع بقعد الزواج!
ما اکثر ما نرى اليوم من شباب وكهول وشيوخ من الجنسين أحيانا من رواد المخامر المشرعة الابواب وهم يحشون قوارير أم الخبائث وكؤوسا مذهبة للدين والعقل والمال والصحة!
كم نرى اليوم من شباب مخنث يحمل حلقا في الآذان وشعورا مجدولة ومسرحة كالنسوان وآخرين معهم يتناولون المخدرات كتناول الخبز والماء، ويجلس البعض على الأرصفة وفي الطرقات يسبون هذا وذاك ويلمزون فلانا وعلانا بل ويتطاولون بالشتم بالصوت العالي على الذات الإلهية المقدسة، وينطقون بالعهر على إسماع الناس ويعترضون للنساء صغيرات وكبيرات عازبات وربات بيوت بالغمز واللمز بالكلمة الرخيصة والحركة الخبيثة والتعاليق البذيئة والقائمة طويلة من أصناف المنكرات وأنواع الفواحش وإذا قام الغيور على دين الله يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر سخروا منه كما سخروا قديما من الأنبياء، واتخذوه هزؤا كما فعل أعداء الرسل في الأقوام البائدة، وإذا ما جد واجتهد الغيور شكوه ووشوا به إلى من لا يخاف الله فيقع في بلاء وابتلاء.
وهذه غربة الإسلام في "دار الإسلام" تقال كلمة الحق فتذهب أدراج الرياح وتنطق الحكمة فتسفه من أحط الناس. وفي غمرة ذلك كله يجتمع الفاجرون ويتكاتفون فيكونون أولياء بعضهم لبعض في تحطيم الدين... ويتحدون بعدما مزقتهم الأهواء وقطعتهم سبل الظلمات ليتفقوا على هدم مظاهر العبودية والتوحيد، وأين أهل الحق في هذه الغمرة!!؟
إنهم في خلافات داخلية وهمية وشقاقات مفتعلة ونزاعات قديمة لا حل لها إلا عند الله، وصراعات فكرية ونظرية مجردة ماتت قبل قرون وأعيد بعثها وبحثها في سلسلة لامتناهية من الاتهامات المتبادلة، فلا هم للدين بخلافهم وتفرقهم نصروا، ولا هم بانشغالهم وتفرغهم للجدل والاتهام للفجار والمرتدين كسروا.
يزيد حمزاوي
(مجتمع المعصية ( ج العالم السياسي - ص 19 -الاثنين 15 صفر 1420ه