طباعة
الأحد 10 جمادة الثاني 1431

حكم الاحتفال بالمولد النبوي

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

    فالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدث في الأمة الإسلامية إلا في القرن الرابع الهجري، ولم يكن معروفا في عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم.

 

حكم الاحتفال بالمولد النبوي

[تاريخ المولد المشهور خطأ]

    والاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أمرين:

الأمر الأول : ثبوته ، أي ثبوت مولد الرسول صلى الله عليه وسلم من الناحية التاريخية ، ولم يثبت من الناحية التاريخية أن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم كان في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، ولهذا اختلف المؤرخون فيه كثيرا، وذكر بعض المحققين الفلكيين المعاصرين أو قبل عصرنا بيسير أنه كان ولد في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول، وليس في اليوم الثاني عشر منه، وعلى هذا فيكون تحديد مولد الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول غير ثابت.

[الاحتفال بالمولد ليس له سند شرعي]

    الأمر الثاني : إذا ثبت مولد الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام؛ فهل ثبت شرعا أن يكون محلا للاحتفال بحيث تقام الأذكار والصلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، وربما يحدث ما وراء ذلك من صدقات وتقديم الحلوى، وربما يحدث شيء وراء ذلك من اختلاط النساء بالرجال، وإحداث قصائد يكون فيها غلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يذكر عن بعضهم أنهم كانوا ينشدون القصيدة التي يقول قائلها :

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به

                  سواك عند حلول الحادث العمم

إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي

                  عفوا وإلا فقل يا زلة القدم

فإن من جودك الدنيا وضرتها

                  ومن علومك علم اللوح والقلم

     وهذا لا شك غلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم إن ثبوت الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى دليل شرعي يعتمد عليه ، إما من كتاب أو سنة رسول الله، أو عمل الصحابة رضي الله عنهم، وكل ذلك لم يكن ، فليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ولا عمل الصحابة الكرام رضي الله عنهم ما يدل على الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم .

[جواب شبهة :"ذلك يوم ولدت فيه"]

   وغاية ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الاثنين فقال :"ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه أو أنزل علي فيه" (رواه مسلم)

    وهذا لا يدل على الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول، وإنما يدل على فضيلة صوم هذا اليوم، أعني يوم الاثنين، الذي حصلت فيه هذه المناسبة الولادة والوحي، ثم إنه لا يخصص هذا اليوم بشيء سوى ما ورد وهو صيامه.

[كل بدعة ضلالة]

   وإذا لم يثبت الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم لا في الكتاب ولا في السنة ولا في عمل الصحابة رضي الله عنهم ؛ فإنه يكون بدعة ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من البدعة حتى كان يعلن ذلك في خطبته في يوم الجمعة ويقول عليه الصلاة والسلام :" إن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ".

   فعمم النبي صلى الله عليه وسلم تعميما صريحا في أن كل بدعة ضلالة ولم يستثن شيئا من البدعة، ومعلوم أنها إذا كانت ضلالة فإنها لا تزيد العبد من ربه إلا بعدا، ولا تزيده من دينه إلا نقصا، ثم إننا نقول : ما الحامل لهذا الاحتفال بمولد الرسول الله صلى الله عليه وسلم أهو حب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أم تعظيم له، أم مضاهاة للنصارى الذين يقيمون الأعياد بما يزعمون بمولد المسيح عليه الصلاة والسلام ؟

[جواب شبهة محبة النبي صلى الله عليه وسلم]

    وإن كان الحامل هو الأول أو الثاني أعني المحبة والتعظيم فلسنا والله أشد تعظيما وحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يقيموا لمولده احتفالا.

[حكم التشبه بالنصارى]

    وإن كان الثالث وهو مضاهاة النصارى فإنه لا ينبغي لنا أن نتخذه من العبادات مع مضاهاة النصارى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد بإسناد جيد.

[لماذا لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاحتفال؟]

    ثم نقول أيضا لمن ابتدع الاحتفال بالمولد : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن مولده ينبغي أن يحتفل به؟ فإن قيل إنه لا يعلم، لزم من ذلك أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم جاهلا بشيء من شريعة الله، وإن قيل يعلم لزم من ذلك أن يكون الرسول كاتما لشيء من شريعة الله؛ لأنه لم يبلغ الناس بذلك، وكلا هذين الاحتمالين ينزه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أعلم الناس بشريعة الله، وهو أسبق الناس إلى تنفيذها، وهو أحرص الناس على هداية عباد الله، وهو أشد الناس بلاغا لما أنزل الله عليه، عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك فليس في سنته ما يدل على مشروعية هذا الاحتفال، وبه يتبين أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم خطأ من الناحية التاريخية حيث يخصص به هذا اليوم ، اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وخطأ من الناحية الشرعية لكونه بدعة لم يشرعه الله ولا رسوله ولا الخلفاء الراشدون ولا الصحابة والتابعون لهم بإحسان في القرن الأول والثاني والثالث.

    وما أحسن ما قاله الإمام مالك رحمه الله :" إنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ".

[الابتداع يوجب الفتور عن السنن]

    ثم إننا نقول : إن الاحتفال بهذا المولد يوجب فتورا للإنسان عن اتباع السنة بعد انقضاء هذا اليوم كما هو مشاهد، حيث إنك تجد كثيرا من الذين يحتفلون بهذا المولد فاترين عن اتباع السنة في أمور كثيرة ، وهذا من سوء عاقبة البدعة أن صاحبها ينشط فيها في وقتها ، ثم يفتر عن كثير من السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[لم لا يحتفل بيوم نزول الوحي ]

     فإن قال قائل : أنا أقيم هذا الاحتفال لتذكير الناس بمنة الله تعالى .

    فنقول: المولد نفسه ليس فيه المنة كما في بعث الرسول عليه الصلاة والسلام بنزول الوحي عليه، ولهذا قال الله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) (آل عمران:164)، ولم يقل إذ ولد فيهم رسول. فهلا جعل هؤلاء احتفالا في وقت نزول الوحي عليه؛ لأن ذلك هو الذي به المنة التامة إذ إن الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يوحى إليه ليس نبيا ولا رسولا، ولا تاليا لآيات الله ولا معلما للكتاب والحكمة، فالمنة ببعثه رسولا، ومع هذا فلا يشرع الاحتفال بموعد بعثته .

    وإني أنصح لإخواني المسلمين أن يتجهوا إلى الحرص على القيام بالسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركوا ما لم يثبت عنه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا تحتاج الأمة إليه في معاشها ومعادها إلا بينه كما قال أبو ذر رضي الله عنه:" لقد توفي رسول الله وما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما"، ولو كان الاحتفال بمولده أو بمبعثه من شريعته لبينه لأمته، ولعمل به خلفاؤه وأصحابه والتابعون لهم بإحسان. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح، وجعلنا من الهداة المهتدين .

[هل يكون المولد وسيلة للدعوة إلى الله]

سؤال : إذا قال القائل : إن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم من وسائل الدعوة فما الجواب ؟

    يقال : كيف تكون البدعة وسيلة للدعوة إلى الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" كل بدعة ضلالة" لا يمكن أن تكون وسيلة للدعوة إلى الهدى، ووسائل الدعوة كثيرة لا تتعين بهذا الاحتفال البدعي، وهم إذا دعوا بهذه الوسيلة تقرر في نفوس المدعوين أنها من الشريعة ، فكأننا دعوناهم إلى العمل بالبدعة.

     وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(هذه الفتوى مفرغة من شريط وما بين [] ليس من كلام الشيخ)

تم قراءة المقال 3643 مرة