طباعة
الأربعاء 2 محرم 1445

نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ". رواه البخاري
كثير من الناس مخدوع في هاتين النعتمين، ولم يخدعهم ويغرر بهم إلا أنفسهم الأمارة بالسوء أو التي بليت بالغفلة الطويلة، وذلك أنهم باعوها بثمن بخس وهي نفسية جدا، وإذا أنفقت أو اتلفت لا يمكن إرجاعها ولا تعويضها أبدا، فعلى المؤمن الكيس أن لا ينفقها إلا فيما يكافؤها نفاسة؛ فإن أنفقها في تفاهات أو أتلفها في معصية الله فهو مغبون ولم يخدع إلا نفسه.
وهذا الغبن لا يظهر في الدنيا وإنما يظهر للناس يوم الحساب يوم توضع الموازين فيسألون عن النعيم؛ وفي مقدمة النعيم الذين يسالون عنه أربع نعم ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر وهي العمر والصحة والعلم والمال.
فالمقصود بالفراغ هنا هو الزمن وساعات العمر التي هي محل الأعمال والأقوال، وحياة المرء دائرة بين فراغ وشغل، والكيس ليس له وقت فارغ من كل كسب، بل هو بين كسب الدنيا وزرع الآخرة؛ والله تعالى يقول (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (الشرح: 7- 8)
والمقصود بالصحة هنا ساعات العافية في النفس والجسد، وقد جاء في الحديث ان المرء يسأل عن جسده فيم أبلاه، في رواية عن شبابه لأن سن الشباب هي سن عافية البدن في أغلب الأحوال، والمؤمن من اغتنم حال صحته قبل مرضه وفراغه قبل شغله وشبابه قبل هرمه .
والناس في التعامل مع نعم الله تعالى قسمان رابح مغبوط وخاسر مغبون.
وطريق الربح شكرها ومن شكرها وضعها في موضعها، وعدم اهدارها فيما لا ينفع وتجنب استعمالها في معصية الرب سبحانه وتعالى .
وطريق الخسارة كفرها ومن كفرها تضييعها وتركها دون استثمار واستعمالها في ما لا ينفع وفيما يغضب الرب سبحانه .
ثم إن من كان حاله الاغتنام للفراغ وللصحة في الأعمال الصالحة؛ ثم شغل فامتد شغله أو مرض فطال مرضه؛ فإن الله تعالى برحمته ومنه وكرمه يكتب له ما اعتاد من أعمال الخير؛ كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له بمثل ما كان يعمل مقيما صحيحا» رواه البخاري.
فعلى المرء الاستكثار من الأعمال الصالحة والمداومة عليها، ولا سيما في وقت اجتماع النعمتين على وجه الكمال.
قال بن الجوزي رحمه الله :"قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم".
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

تم قراءة المقال 228 مرة