طباعة
الجمعة 6 ربيع الأول 1431

أسباب انتشار التنصير في الجزائر (الحلقة الأولى)

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

محاضرة ألقيت بمسجد الدعوة بوادي قريش يوم 11جويلية الموافق لـ7 رجب 1429

   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد، فإن موضوع المحاضرة كما علمتم وسمعتم "أسباب انتشار التنصير"، الذي أضحى من القضايا التي تؤرق الدعاة على الله تعالى في هذه الأيام ، ولقد كنا نتحدث من قبل عن التنصير من باب التحذير من وسائله التي يستعملها المنصرون، والأسباب الوقائية منه، ولكن بعد أن أصبح التنصير في بلادنا حقيقة واقعة وأمرا مشهودا، والأرقام فيه تدعوا إلى الفزع والهلع وجب علينا أن نغير النظرة في معالجة هذه القضية، فرأيت أن أتطرق إلى الأسباب التي دعت إلى انتشار التمصير وتحليلها بموضوعية، فنحاول أن نقف عليها واحدا واحدا مهما كانت كثيرة ومتنوعة، وجدت في منطقتنا أو لم توجد، لأن بلادنا واسعة شاسعة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ونحاول مع الوقوف على هذه الأسباب أن نجد الحلول الناجعة والطريق المناسبة للمواجهة والوسائل العملية الجادة لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة إضافة إلى الطرق الوقائية المعروفة، وإن هذه الأسباب التي أردت ذكرها كثيرة ومتداخلة، لكن حرصت على تفصيلها حتى تكون جلية واضحة، ولأنه كلما فصلنا كانت وسائل المكافحة والمواجهة أيضا متعددة ومتنوعة.

أسباب انتشار التنصير في الجزائر (الحلقة الأولى)

1-التهوين من خطر التنصير

  لقد كان بعض الناس يرى في الحديث عن التنصير في بلاد الإسلام وفي بلاد الجزائر تهويلا زائدا وتضخيما إعلاميا، ويقول من المحال أن يتنصر الناس وأن يتركوا ملة الإسلام، وكيف يتركون دين محمد صلى الله عليه وسلم ؟ كيف يتركون دين آبائهم وأجدادهم بعد أن خرجوا من الأمية وبعد أن أخرجوا الاستعمار؟ وبعد أن عرفوا حقيقة دينهم وتعلموا العربية؟ وهم لم يتنصروا أيام الجهل والظلمة والاستعمار، أيام كان التنصير مفروضا بقوة الحديد والنار.

ولقد كان مثل هذا الكلام من أسباب الغفلة والتهوين من أمر التنصير ومن أسباب انتشاره بقوة، إن التنصير اليوم حقيقة واقعة مرة، وإن لم يقف المسلمون في صده وقفة واحدة جادة فسيندمون ندما شديدا ويتحسرون حسرة عظيمة..

[نسبة نجاح المنصرين في أيامنا تفوق بكثير نسبة نجاحهم أيام الاستعمار]

   إن نسبة نجاح المنصرين في أيامنا تفوق بكثير نسبة نجاحهم أيام الاستعمار، ففي سنة 1933م بعد مرور قرن من الاستعمار والتنصير، أقصى ما قدره المنصرون -الآباء البيض في ذلك العهد -من المرتدين عن الإسلام في الجزائر بلغ 1700 أكثرهم من الأطفال واليتامى الذين تربوا في أحضانهم، هذا أقصى ما قدروه ولا شك أن هذا الرقم مبالغ فيه، لأن مصلحتهم دائما في تضخيم الأرقام والإحصاءات، هذا أقصى ما وصلوا إليه - حسبهم -مع أنهم كانوا يحملون في أيديهم الإنجيل والخبز وكان يحميهم السيف الفرنسي والدبابة الفرنسية، وسياسية الاضطهاد والتجهيل الفرنسية.

الآن بعض المصادر تتحدث عن عشرة آلاف مرتد ومصادر أخرى تضخم وتقول عشرين ألف مرتد، وهو عدد كبير تمكنوا من الوصول إليه في مدة وجيزة جدا، ونجاح عظيم لم يحقق حتى في الحقبة الاستعمارية، في مائة سنة جمعوا 1700 شخص أكثرهم أطفال قُصَّر، ولعل أكثرهم رجع إلى الإسلام بعد بلوغ سن الرشد، والآن التنصير في بلادنا عمره على الأكثر ثلاثون سنة، وهو تنصير سري غير علني طبعا ومع ذلك وصلوا إلى مثل هذه الأرقام الهائلة، ولو قالوا خمسة آلاف فهو عدد كبير بالمقارنة بين أيامنا هذه وأيام الاستعمار، فإذا تنصر الأطفال الأيتام أيام الجهل والجوع والعري والقهر والأمراض فذاك أمر معقول، لكن أن يتنصر الناس في زمن الحرية والاستقلال والتعليم الإجباري والطب المجاني ووجود المؤسسات الدينية والخيرية فأمر غير معقول.

[تعالوا نصارح أنفسنا]

   يا إخوان تعالوا نصارح أنفسنا ولا نكذب عليها مرة أخرى إن التنصير أصبح حقيقة مرة في بلادنا، ويهدد وحدتنا الدينية والوطنية، التنصير الآن ينتشر في مدارسنا، المرتدون يريدون أن ينتقلوا إلى مرحلة أخرى إنهم الآن يحاولون غلق المساجد، بل قد تجرؤوا في بعض المناطق على حرق المساجد، وإن كانت وسائل الإعلام وغيرها تخفي هذه الحقائق لأسباب وتأويلات سياسية، فنحن نرى ضرورة نشر هذه الأخبار لنشعر الأمة بالخطر الذي يداهمها، إذا كانوا قد تجرؤوا على حرق المساجد أو غلقها أو تحويلها لدور للشباب تعرض فيها المسرحيات فهذا أمر خطير، وإذا كان المعلم الذي نأتمنه على تعليم أولادنا في الابتدائية والمتوسطة والثانوية مرتدا يطعن في دين الإسلام وفي محمد  صلى الله عليه وسلم ويدعو إلى النصرانية في القسم، فإننا لا يمكن أن نسكت على هذا ولا أن نتستر عليه، ولا يقال إن في نشر هذه الأخبار خدمة للتنصير، بل إن فيه نشرا لليقظة في المسلمين حكاما ومحكومين، وإشعارا لهم بالخطر الذي يتهدد هذه البلاد في دينها وأخلاقها ووحدتها، إن حملات التنصير في الزمن الماضي كانت تهدف إلى إبقاء الاستعمار في بلادنا، وفي هذا الزمن تهدف أيضا إلى إعادة الاستعمار من جديد.

2-فشو الجهل والأمية

   وأول هذه الأسباب الجهل والأمية، والأمي هو الذي لا يحسن القراءة والكتابة، فإن ثمة شرائح من هؤلاء المرتدين من لا يحسن كتابة اسمه، وإنه من المحزن حقا أن يكون لمثل هؤلاء وجود في بلادنا!! في إحدى القرى سألتُ إماما عن المرتدين عندهم لمناقشتهم ودعوتهم فقال لي:" كلهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، من الصعب جدا أن تناقشهم أو تفهمهم شيئا"،

   كيف تنصروا إذا ؟لقد "تنصروا بالشهوات والمغريات المادية"، فهم أميون لم يسبق لهم أن قرأوا القرآن ولا تعلموا مبادئ الإسلام وأي شيء يقال لهم عن الإسلام والمسلمين يصدقونه، إنهم فريسة سهلة في أيدي هؤلاء المنصرين.

   ولقد عجزت فرنسا عن تنصير أمتنا أيام الاستعمار، لأنها يوم دخلت هذه البلاد (عام 1830) كانت نسبة الأمية معدومة أو شبه المعدومة (حسب بعض التقديرات كانت لا تتعدى نسبة 4%)، بمعنى أن الجزائريين قبل الاستعمار الفرنسي كانوا كلهم متعلمون إلا قليلا، لذلك سعت بكل جهودها أن تجهل الأمة بلغتها ودينها تمهيدا لتنصيرها (ولقد كانت مهمتها تنصيرية فعلا) ، ولذلك لم تحقق شيئا يمكن أن يسمى نجاحا، والآن –بعد أكثر من أربعين سنة من الاستقلال- لما أصبحت الأمية من 20 إلى 40 بالمائة في الجزائر (باختلاف المناطق) فقد اختلفت المعادلة!!

   ولذلك فإن من أهم الطرق الوقائية الجادة ضد خطر التنصير تعميم تعليم اللغة العربية ومحاربة الأمية، وإن ذلك من أعظم الجهاد في هذا الزمان، لأن الأمي ليس عرضة للتنصير فقط بل هو عرضة لكل الانحرافات والآفات الاجتماعية التي تضرب كيان الأمة واستقرار المجتمع .

3-الجهل بالعقيدة الإسلامية

   ومن أسباب انتشار التنصير جهل الناس بالعقيدة الإسلامية، وهذا نوع خاص من الأمية، ونسبته أعلى بكثير في الأمة، لأن كثيرا من المتعلمين -فضلا عن غيرهم -يعتمدون في تلقي عقيدتهم على عمومات تقلوها تقليدا ووراثة، الأمر الذي يجعل إيمانهم بالإسلام هشا وضعيفا، وهذا ما جعل كثيرا من المتعلمين من أبنائنا يتبعون كثيرا من الأفكار الوافدة علينا الغريبة عن قيمنا والمخالفة لديننا، فتقبلوا الشيوعية، واعتنقوا العلمانية، وانخرطوا في البهائية، وشايعوا الروافض، ونحن الآن بعد أن عاينا هذا الفساد والانحلال بدلا عن أن ندعم مادة التربية الإسلامية في مدارسنا من أجل حماية أولادنا، صرنا نقلص من ساعاتها ونهون من شأنها ، ونوكل تدريسها إلى من لا يحسنها وربما إلى من لا يؤمن بها، كل ذلك حتى لا يقال عنا أننا متعصبون !!

   إن اليهود عندما جعلوا ساعات لتدريس ديانتهم العنصرية في كل مستويات الدراسة وفي كل التخصصات؛ لم يقل أحد عن مدارسهم إنها مدارس أصولية وتربي على التعصب، أما نحن فيقال عنا ذلك وأكثر من ذلك ، لأنهم يريدون منا التخلي عن ديننا ونتبع ملتهم كما قال عز وجل :(( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (البقرة:120).

إن الإنسان الجاهل بعقيدته بتفاصيلها وأدلتها من القرآن والسنة، كالإناء الفارغ يصطبغ بأي شيء يوضع فيه ، إن القلب الفارغ من الإيمان الصحيح عرضة للوقوع في شبهات النصارى حول الإسلام، كما هو عرضة لاستهواء الشهوات المعروضة عليه.

[دعاة التنصير يبلغون رسالتهم إلى قومنا باللهجات المحلية التي يفهمها كل الناس]

ومما ينبغي أن يذكر في هذا المضمار أن دعاة التنصير يبلغون رسالتهم إلى قومنا باللهجات المحلية التي يفهمها كل الناس، فعلينا نحن أيضا في مجال المواجهة وتعليم الناس أمر دينهم أن نيسر الأمر عليهم فنخاطبهم بما يفقهون ، والله تعالى يقول :(( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) (إبراهيم:4)، ومنه فلا معنى التشدد في هذا الباب بالتزام الفصحى في التبليغ سواء في خطب الجمعة أو غيرها، وخاصة في المناطق التي تشيع فيها الأمية والجهل باللغة العربية .

4-محبة الكفار وبلادهم

من أسباب انتشار التنصير محبة الكفار وموالاتهم، وهذا أمر استهان به كثير من الناس في زماننا، فتراهم يلبسون لباس الكفار ويتكلمون بلغتهم من غير داع، ويقلدونهم في كل شيء، ويرون الجنة في بلادهم والعدالة في أحكامهم وحكامهم، حتى أصبح من الشباب من يغني في الملاعب بأنه يحلم بالعيش في بلادهم وتغيير اسمه العربي، وأصبح منهم من يركب الموت للوصول إلى أرضهم.

[في عهد الاستعمار كانت محبة الوطن راسخة في نفوس الجزائريين]

في عهد الاستعمار كانت محبة الوطن راسخة في نفوس الجزائريين وهي أمر فطري ، وكان بغض الكفار متجذرا في النفوس، وكان من آثار هذه المحبة الاعتزاز بهذا الوطن وجميع مقوماته وتقاليده واحتقار كل شيء وافد عليه، ومن أثر ذلك أنهم كانوا يسمون الأشياء بمسمياتها كانوا يسمون الجزائريين مسلمين ويسمون الفرنسيين النصارى أو "الروامى"، يقولون السروال العربي والسروال الرومي أو النصراني، ويقولون "المسيد" أو المدرسة العربية و"الليكول" أو المدرسة الفرنسية، والخبز العربي والخبز الفرنسي ويسمونه (خبز باريسيان) نسبة إلى باريس ،كل ذلك حرصا على التميز عن هذا المستعمر النصراني الكافر وأما الآن فهيهات.

5-قابلية الاستعمار

من أسباب انتشار التنصير ما يسمى بقابلية الاستعمار التي ينتجها اجتماع الجهل بالعقيدة الإسلامية مع موالاة أعداء الله تعالى ومحبتهم، ومن مظاهر قابلية الاستعمار المنتشرة في أوساط المثقفين والجهال على حد سواء الشعور بعقدة النقص أمام الأجانب والضعف أمامهم وتعظيم كل ما يأتي من عندهم، وبالمقابل احتقار كل ما هو جزائري، من المصنوعات والمنتوجات والأشخاص والأفكار، وهذا التعظيم والاحتقار قد يصل ببعض المنهزمين نفسيا إلى الدين فيحتقر دين آبائه لأنه جزائري ويعظم النصرانية لأنها أوروبية، ومثل هذا تجده في كلام كثير من الناس وإن لم يكونوا قد ارتدوا على النصرانية.

[المعتنقون للنصرانية يعقدون ولائهم لدول استعمارية]

ولأجل هذا السبب فإنك تجد هؤلاء المرتدين عن الإسلام المعتنقين للنصرانية بلا استثناء يعقدون ولائهم لدول استعمارية كبرى كفرنسا وأمريكا، ومنهم من يطالب الآن بالتدخل الأجنبي في الجزائر، ومنهم من يطالب باستقلال منطقة الجزائر ليجعلوا منها ولاية فرنسية.

تم قراءة المقال 4543 مرة