طباعة
الأربعاء 12 محرم 1441

خواطر حول المنظومة التربوية: تتعلق بمخطط فرنسة التعليم (المجموعة الرابعة) مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)


مخطط فرنسة التعليم 1
فرنسة التعليم التي تعني بالضرورة فرنسة العقل والثقافة بكل أبعادها ..هدف اجتمع عليه المستعمر الفرنسي وأذنابه في بلاد المغرب الإسلامي ..طبعا لن يكون تحقيق هذا الهدف سهل المنال لكونه يمس بصفة مباشرة كل أسرة مسلمة في هذه البلاد، بل كل فرد من أفراده باعتباره متعلما أو وليا لمتعلم ، ولن يكون التغيير سهلا ما دام هناك تعليم قائم منذ سنين معتمد على اللغة العربية بمؤطريه وبمناهجه وبرامجه الذي تخرجت به أجيال من الباحثين والعلماء في مختلف التخصصات، ولن تمر مناورات الانقلاب على الهوية دون مقاومة جادة من حماة الهوية الإسلامية والعربية في هذه البلاد ..ونحن على يقين أن الأعداء لم يغفلوا عن هذه المعطيات المرتبطة بهذه القضية وبغيرها مما له تعلق بها في واقع الأمة، ولذلك نراهم قد أعدوا خططا حربية محكمة تسمى بحوثا ودراسات تشرف عليها مؤسسات متخصصة بعضها في الخارج كاليونسكو وفي الداخل مؤسسات لم تعد خافية، ما يشهر من هذه البحوث ربما يكون عشر مشعار ما يتداول في الكواليس..ومراحل هذه الخطط أكثرنا لا يراها في الجزائر إلا بعد أن تصبح واقعا..فنحاول اقتلاعه أو التخفيف منه دون جدوى، لأن الديكتاتورية العلمانية لا تعترف بحق الشعوب التي تراها متخلفة في تقرير مصيرها ولا اختيار مساراتها وسياساتها فضلا عن حقها في التمسك بهويتها ..إن الخطط التي يراد ضرب التعليم بها في المغرب الإسلامي واحدة، وإنما تختلف الخطوات تقديما وتأخيرا بحسب الواقع والمتوقع في مخابر الأعداء.. لذلك فإننا لسنا بعيدين عما يحدث عند إخواننا في المغرب الأقصى.. ولا ينبغي أن نغتر بزوال وزير لأن الوزير ما هو إلا منفذ لمشروع متكامل يقوم عليه لوبي سياسي ومالي وأكاديمي وإعلامي في الخارج والداخل، داخل السلطة (الإدارة) وخارجها ..ولا تنسوا أنه ليس الخبز كل ما نريد..

مخطط فرنسة التعليم 2
   إن من عقبات فرنسة التعليم الأسرة.. فهل أسرنا مازالت حصنا منيعا يورث عناصر الهوية ويدافع عنها؟ لن أنتقل بالحديث إلى معاول الهدم التي ضربت وما تزال تضرب هذه الأسرة المسلمة حتى لا يتشعب الموضوع، ولكني لست أشك أن مستوى التمسك والتماسك قد تراجع كثيرا، فالإعلام الذي تحكموا في زمامه صير كثيرا من الأسر مفرنسة العقلية، تشعر بعقدة النقص أمام كل فرنسي ومفرنس، كثير من أفرادها من أنصاف المتعلمين يعتبرون الرطانة علامة التحضر، كيف لا يحدث هذا ونحن بعد ستين سنة من الاستقلال ما زلنا نرى المسؤولين الرسميين يتحدثون بالفرنسية، ونجد أكثر الوثائق والتعليمات والمراسلات الإدارية تكتب بالفرنسية، ونسمع كل شخصية مرموقة إذا تحدثت تستعمل الفرنسية وكأنها تتحدث لا لتفهم المجتمع ولكن لتحدث التميز عنه. وإذا استحكمت هذه العقدة في الأسرة.. فهل تُراها ستعارض فرنسة التعليم أم سترحب به؟؟ فإن قيل إن هؤلاء لا يمثلون الأغلبية؟ قيل لو وصل تعدادهم إلى ربع الأمة لم يتأخروا ليلة واحدة عن إلحاق الجزائر بفرنسا وليس فرنسة التعليم فحسب، علينا أن نعلم أن المستعمر يؤمن بمبدأ الحجر على الأمة المتخلفة، وبمبدأ النخبة المتكلمة باسم الشعب بلا انتخاب أو تفويض لأن الأمة بالنسبة إليه مجرد "غاشي" أو "قطيع". لذلك هو حريص على أن يتبوأ هؤلاء العملاء أو المنهزمين نفسيا كل المنابر والمناصب التي تتحدث باسم الأمة أو باسم الأسرة وباسم أولياء التلاميذ، لقد تلقت المنظومة التربوية في الجزائر ضربات قاتلة على مدى عقدين من الزمن، وكان بإمكان جمعيات أولياء التلاميذ أن تصد كثير من تلك الضربات أو تقف مواقف يسجلها لها التاريخ، ولكن الجمعيات الموجودة أكثرها لا يمثل الأسرة الجزائرية، والذي يمثلها كان وجوده باهتا ومواقفه مترجمة لضعفه وضعف جمعيته، وما دمنا بعيدين عن تمثيل أنفسنا فإن غيرنا هو من سيسبقنا ليتحدث باسمنا-كما فعل من قبل- وسيقبل بالفرنسة وكل أشكال التغريب، خلاصة القول أيها الأولياء إما أن نكون أو لا نكون .
مخطط فرنسة التعليم 3
   من عقبات فرنسة التعليم: المنظومة التعليمية القائمة بمناهجها ومؤطريها ..حيث جاء مشروع التغريب بعد مضي أربعة عقود من جهود التعريب المتعثرة، وهذه العقبة أقوى من عقبة الأسرة السابق ذكرها، لأنه الميدان المراد تغييره رأسا على عقب، ولابد من إعداد عدة كبيرة لتغيير هذا الوضع، ولابد من تدرج مدروس غير متهور ليكون الانتقال سلسا، لا أزعم الاطلاع على كل الترتيبات لكن هناك خطوات واضحة اتخذت تخدم مسعاهم هذا، منها ما هو ظاهر في برامج الرياضيات وما شابهها من تغيير كل الرموز من العربية إلى الفرنسية، وجعل العمليات والمعادلات الحسابية تكتب من اليسار إلى اليمين وهذا ابتداء من التعليم الابتدائي، حدث هذا في صمت دون أدنى مقاومة (لأن الأمة شغلت بمتابعة أشياء أخرى )، ومنها تقديم تعليم الفرنسية إلى السنة الثالثة بعدما أخرت في النظام الأساسي إلى السنة الرابعة، وكانوا تحدثوا عن تقديمها إلى الثانية لكن مشكلة التأطير وعدم كفاية أساتذة اللغة الفرنسية هو الذي حال دون ذلك، إذ لابد من رفع مستوى التلاميذ في اللغة الفرنسية حتى يتمكنوا من استيعاب العلوم الطبيعية والتقنية عندما تصبح لغة التدريس، ومنها فتح باب التوظيف في ميدان التعليم الابتدائي لتخصصات جامعية لا تدرس فيها اللغة العربية، ومنها وأهمها الحرب الفاجرة التي أعلنت على المدارس العليا للأستاذة التي تعتبر خزان التعريب ومصدر إمداده، كما أنها هي التي تخرج معلمين أكفاء في جاهزية  تامة للعملية التعليمية في مختلف المراحل، ومما يخدم هذا وغيره الدفع بالإطارات القديمة والكفاءات العالية في الميدان إلى التقاعد والتقاعد المسبق، حتى يتسنى التمكين للتغريبيين والانتهازيين تبوأ مراكز القرار (كتبنا سابقا في هذا حلقة كاملة)، ومنها أن المطلعين أكدوا أن ما انتجته الاصلاحات المزعومة هو ترجمة حرفية للبرامج الفرنسية ..بمعنى أنه عندما تتقرر الفرنسة لن نكون بحاجة إلى إعداد برامج بل يكفينا الرجوع إلى النص الأصلي لتلك البرامج.. وقد تكون خطوات أخرى يعلمها من هم في الميدان ..وكل عنصر من هذه العناصر يحتاج إلى إيضاح ومناقشات، لكننا نكتفي بالقول إن بعض هذه الخطوات كالضرب في الهواء، ويكفي دلالة على ذلك أن مشروع رفع مستوى اللغة الفرنسية ابتداء من الابتدائي أدى إلى زيادة ضعف التلاميذ في هذه المادة ورسوبهم فيها وضاعف من كرههم لها، كما أن نقص التأطير يدفع إلى توظيف من لا كفاءة له.. (وخاصة  أن التوظيف ولائي لا وطني)..ولا ينبغي علينا الاكتفاء بما جرى به القدر عن العمل، ولا الانتشاء بالفشل الذاتي لمشاريع "فرنسا"، لأننا متأكدون أنهم لا يراهنون على تحقيق النجاح التام لهذه الخطوات، بل كل ما يراعونه هو إعداد أرضية قابلة للتطبيق على مستوى القطاع، وتجنب ردود الفعل التي تجهض أصل المشروع على مستوى الشارع، وقد تعمى البصيرة فيستعجلون الخطوات.. ولعل ما حدث في المغرب الأقصى هذه الأيام يعد من استعجالهم، رد الله كيدهم في نحورهم.
مخطط فرنسة التعليم 4   
إضافة إلى ما سبق لا يخفى جهدهم في تحطيم التعليم من خلال المناهج والبرامج التي ترمي إلى إضعاف الرصيد اللغوي العربي للتلاميذ من جهة إسناد التعليم لغير أكفاء والتخلص من الكفاءات العالية ومن جهة تفريغ البرامج وجعلها أضعف مما كانت عليه في كل تعديل يجرى باسم الاصلاح ومن جهة تكثيف مواد الدراسة في السنوات الأولى للتعليم مما سيكون له أثر سلبي في تكوين التلميذ ليس في لسانه فحسب بل في عقله ومنطق تفكيره..هذا فضلا عن التمهيد للمراحل المقبلة بكتابة الرموز كلها بالحرف الفرنسي وإجراء العمليات الحسابية من اليسار إلى اليمين..وغير ذلك مما يطول شرحه وإيضاحه ..طبعا التلاميذ الذين تنالهم هذا التدمير الممنهج مع ضمان انتقالهم إلى الجامعات بنفخ النقط وتزوير النتائج سيفشلون في الجامعة سواء كانت دراستهم باللغة العربية أم الفرنسية ..ونحن مذ أطل علينا الطلبة التي أنتجتهم مناهج اصلاحات بن زاغو التغريبية نعاني الأمرين مع الطلاب الذين لا لغة سليمة لديهم ولا منطق تفكير رغم أننا ندرس باللغة العربية.. فكيف سيكون حال هؤلاء الضحايا مع التخصصات التقنية والطبية وغيرها التي تدرس باللغة الفرنسية..لا شك أن نسبة الرسوب تكون عالية جدا ..لاسيما في الجذوع المشتركة ..وهنا تصنع المغالطة بأن التكوين باللغة العربية هو سبب الرسوب.

 

 

تم قراءة المقال 1293 مرة