الدرس التاسع عشر (19) : عبادة الإخلاص
أوَّل واجب على العبد قول كلمة الإخلاص، وأوَّل عبادة قلبية ينبغي تحصيلها هي عبادة الإخلاص؛ التي تعني إفرادَ الله تعالى بالقصد في الطاعة، وتصفيةَ العمل عن ملاحظة المخلوقين، فمن قصدَ غير المولى عز وجل بالعبادة فقد أشرك شركا أكبر، ومن لاحظَ المخلوقَ -وهو يسير الرياء- وقعَ في الشرك الأصغر.
أدلة وجوب الإخلاص لله تعالى
1-قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (الزمر:2-3).
2-وقال سبحانه: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (الكهف:110).
3-قال صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ » رواه مسلم.
أسباب تحصيل الإخلاص وتقويته
1-تذكر الصفات الدالة على علم الله تعالى الشامل وبصره بالعباد وإحاطته ببواطنهم وعدم خفاء سرائرهم عنه.
2-الاستعانة بالله تعالى على تحقيق الإخلاص وإعلان الافتقار إليه، قال تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .
3-التعوذ من الشرك ومن الرياء كثيره ويسيره كما قال إبراهيم عليه السلام : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ) (إبراهيم:35).
4-تأمل عواقب الشرك والرياء الدنيوية والأخروية التي منها الفضيحة في الحياة الدنيا والآخرة، ومنها إبطال الأعمال يوم القيامة؛ كما قال تعالى : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) (الفرقان:23).
5-إخفاء العبادات التي لا مصلحة في إظهارها، قال تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )(البقرة271).
لوازم الإخلاص
1-أن تصرف العبادات باطنها وظاهرها لله تعالى وحده فلا يقصد بها جماد أو شخص حي أو ميت وإلا كانت باطلة.
2-أن تخلَّى الطاعات من التزين للمخلوقات وحب التسميع ، قال صلى الله عليه وسلم :« مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ » متفق عليه.
3-أن لا يقصد العبد بالقربات المال أو الرياسة أو أي شيء من أعراض الدنيا كالظهور على الناس ومدح المادحين ونحو ذلك، يقول الله تعالى :« أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ » رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» متفق عليه.