المبحث التاسع : آداب الطعام
من مواضيع التربية الأخلاقية مواضيع متعلقة بالآداب، نحو آداب الطعام والكلام والزيارة والتعلم وغير ذلك ، ونحن لن تستقصي هذه المواضيع في سياق الحديث عن التربية كما لم نستقص العقائد من قبل، وإلا خرجنا عن المقصود، وسنتعرض في هذا المبحث إلى أهم آداب الطعام، التي ينبغي تلقينها للطفل، وهي الآداب التي تمس الحاجة إليها أكثر من غيرها.
أولا : غسل اليدين والتسمية في أوله
أول أدب غسل اليدين قبل الطعام وبعده وقد تحدثنا عنه في بحث النظافة قبل هذا، وثاني هذه الآداب تعويد الأولاد على التسمية-قول بسم الله- أول الطعام والشراب، فقد ثبت عن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ-متفق عليه-. ومن نسي التسمية في أول الطعام يعلم الاسراع إلى استدراكها متى ذكرها، وقد جاء في الحديث:« إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
ومن المفيد جدا بيان حكمة من الابتداء بالتسمية للأولاد، وهي حصول البركة ومنع الشيطان من مشاركتهم في طعامهم، وأن يقص عليهم قصة الجارية التي جاءت كَأَنَّهَا تُدْفَعُ إلى طعام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهَا ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا » رواه مسلم.
ثانيا : صفة الجلوس للطعام
ويعلم الأولاد إلى التزام الجلسات الطبيعية للأكل، كالجلوس متربعا أو جاثيا على ركبتين وغيرها من الجلسات، وننهاهم عن الجلسات التي تضر بصحتهم والتي فيها سوء أدب كالأكل متكئا أو مستلقيا، فعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ لَا آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ- رواه البخاري -.
وأقل منه ضررا الشرب والأكل قائما فقد ثبت أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَ عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا، فسئل أنس عن الأكل فقال : ذاك شر وأخبث- رواه مسلم -. فلابد للمربي أن يعلم أولاده أن لا أكل إلا على مائدة الطعام ، ولا يؤذن لهم في أخذ لمجات يتجولون فيها في البيت أو يطوفون بها في الشارع فإن ذلك من سوء الأدب، وهذا النهي كله من جهة الأدب والكراهة، وإلا فإنه أمر جائز إذا دعت إليه الحاجة، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب قائما-متفق عليه-.
ثالثا : النهي عن عيب الطعام
من الآداب تربية الأولاد على أكل الطعام إذا استساغوه وأن يرتكوه من غير له إذا لم يعجبهم، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ متفق عليه، والعيب قد يكون من جهة الخلقة كأن يكون فاكهة رديئة، وقد يكون من جهة الصنعة كأن يكون طعاما مالحا ، وقيل في حكمة النهي أن فيه أذية لصانع الطعام ومقدمه.
ولابد أن ننبه أمر آخر متعلق بها وهو أن بعض الآباء يدلل أولاده الذين يتحججون لترك ما حضر من طعام بعيبه حتى يتمكنوا مما يشتهونه من طعام، فعلى المربي أن يكون حازما ولا يترك هذا الخلق السيء يتطور، لأنه آثاره ستكون وخيمة على شخصية الولد وسلوكه وصحته أيضا.
رابعا : الأكل والشرب باليد اليمنى
من الأحاديث التي ينبغي أن يحفظها أولادنا ويلزمون بالعمل بها قبل أن يعقلوا قوله صلى الله عليه وسلم:« إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ» رواه مسلم. وذلك حتى يتعودوا على ذلك، ولا بأن تبين لهم حكمة ذلك التي تتضمن آدبا آخر وهو تخصيص اليد اليسرى لملابسة القاذورات، قال ابن الجوزي :« لما جعلت الشمال للاستنجاء ومباشرة الأنجاس، واليمنى لتناول الغذاء لم يصلح استعمال أحدهما في شغل الأخرى، لأنه حط لرتبة ذي الرتبة ورفع للمحطوط، فمن خالف ما اقتضته الحكمة وافق الشيطان ».
خامسا : اجتناب الطعام الحار
من الآداب النبوية من المتعلقة بالطعام اجتناب الطعام الحار وتركه حتى يبرد ، فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا ثَرَدَتْ غَطَّتْهُ شَيْئًا حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرُهُ ثُمَّ تَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ رواه أحمد. قال النووي في شرح البركه:" وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا والله أعلم ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوي على طاعة الله تعالى وغير ذلك. فتضمن معنى البركة أمورا حسية وأخرى معنوية ومن الأمور الحسية السلامة من الأذى وانتفاع الجسم بالطعام على أحسن وجه، وهذا الأذى قد يصيب اللسان في العاجل والأسنان وكذا البطن في الآجل، كما تقديم الطعام الحار للأولاد قد يدفعهم للنفخ فيه بلا شعور وهو منهي عنه أيضا.
سادسا : النهي عن النفخ في الطعام وعن التنفس فيه
وإذا كان الطعام حارا فيوجه الأولاد لتركه حتى يعتدل ويحذرون من النفخ فيه، وقد نهى النَّبِيَّ أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ رواه أبو داود والترمذي وصححه ، وهذا النهي مرتبط بالتنفس في الإناء عموما لما في ذلك من أضرار صحية، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ » متفق عليه. مما يحتم علينا إذا شربنا أن نفصل بين الشربات حتى يمكننا التنفس بعيدا عن الإناء، وقد روى أَنَسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ رواه مسلم.
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ رواه البخاري ، ومثله القارورة ونحوها وذلك عدة حكم منها: أن الشرب منها قد يكون سببا للتنفس فيها، وأنه قد يكون في الماء شيء يلوثه فلا تراه، وكذا قد يرجع شيء من فم الشارب إلى داخلها، كما أن الناظر إليه قد يعاف أن يشرب منها إذا رأى من يضع فمه فيها.
سابعا: الأكل مما يلي الآكل ومن أطراف الصحن
من الآداب الأكل مما يلي الآكل ومن أطراف الصحن، وقد سبق فيه حديث عمر بن أبي سلمة، وذلك إذا كان يأكل مع الناس في صحن واحد حتى يتقذر منه الآكلون، وكذلك إذا كان الآكل في صحنه وحده أن يأكل من جوانبه، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «البَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ، فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ» رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي واللفظ له وصححه.
ثامنا : رفع اللقمة عند سقوطها ولعق والصحن واليد
ومن الآداب المجهولة لدى الكثير رفع اللقمة التي تسقط وتنظيفها ثم أكلها ، قال صلى الله عليه وسلم في ذلك :« إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ » رواه مسلم. ومثل هذا التصرف يجعلنا نعظم أمر النعمة لدى الأولاد ونجنبهم التبذير ونحثهم على حفظ المال ولو كان يسيرا، وما نراه اليوم من شيوع لرمي الأطعمة في المزابل؛ قد يكون مبدؤه التهاون في الأمر والتسرع لرمي الطعام؛ مع إمكان إزالة الأذى عنه والانتفاع به.
ومما يتعلق بالتبذير والنظافة وكذا البركة ؛ تعويد الأولاد على لعق الصحن بعد الطعام وكذا اليد إن علق بها شيء من الطعام ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :« إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا » متفق عليه. وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ وَقَالَ إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ رواه مسلم.
تاسعا: الاقتصاد في الطعام
من أهم الآداب التي ينبغي أن يلقنها الأولاد الاقتصاد في الطعام وعدم الإسراف فيه، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31). وقد قال صلى الله عليه وسلم :« مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» رواه الترمذي وصححه. وإن لذلك أثرا عظيما على صحته وعلى أخلاقه ودينه، قَالَ عمر رضي الله عنه: « إيَّاكُمْ وَالْبِطْنَةَ، فَإِنَّهَا مُكْسِلَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ مُؤْذِيَةٌ لِلْجِسْمِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي قُوتِكُمْ فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْأَشَرِ وَأَصَحُّ لِلْبَدَنِ وَأَقْوَى عَلَى الْعِبَادَةِ، وَإِنَّ امْرَأً لَنْ يَهْلِكَ حَتَّى يُؤْثِرَ شَهْوَتَهُ عَلَى دِينِهِ».
وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه:« الْمَعِدَةُ حَوْضُ الْبَدَنِ، وَالْعُرُوقُ وَارِدَةٌ عَلَيْهَا وَصَادِرَةٌ عَنْهَا فَإِذَا صَحَّتْ صَدَرَتْ الْعُرُوقُ عَنْهَا بِالصِّحَّةِ، وَإِذَا سَقِمَتْ صَدَرَتْ الْعُرُوقُ بِالسَّقَمِ». وإنما يسقم المعدة كثرة الأكل والإسراع في ابتلاعه قبل مضغه جيدا.
عاشرا: حمد الله تعالى في آخره
من أهم الآداب تعويد الأولاد على حمد الله تعالى بعد كل طعام يطعمونه، ومن الأدعية الثابتة أن يقول :« الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ » رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة. وكذلك قوله:« الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ وَقَالَ مَرَّةً الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى رَبَّنَا »رواه البخاري، (غير مكفي) معناه: غير محتاج إلى الطعام فيكفى ولكنه هو يطعم ويكفي، (ولا مكفور) بمعنى : مجحود النعمة والفضل، ولا مودع: متروك معرض عنه ولا مستغني معرض عن الرغبة إليه. (ربنا) بالفتح أي يا ربنا فتح الباري (9/ 851).
للاتصال المباشر يستعمل رقم الهاتف : 0550660118 ...
عقوبة من يدعو إلى دين غير الإسلام في الجزائر ...
صدر كتابان جديدان في يناير سنة 2020 للدكتور محمد حاج عيسى عن دار الإمام مالك البليدة الجزائر 1-عبادة الشكر..يقع في 70 صفحة من الحجم الصغير 2-الوصول إلى الضروري من علم… ...
قائمة الكتب المطبوعة...1-عقيدة العلامة ابن باديس السلفية وبيان موقفه من العقيدة الأشعرية، ومعه أضواء على حياة عبد القادر الراشدي القسنطيني ط1-2003 2-أصول الدعوة السلفية عند العلامة ابن باديس، ط1-2006 3-عوائق… ...
صدر في جويلية 2022 كتاب منهجية البحث في العلوم الإسلامية يقع في 64 صفحة وقد ضمنته برنامج السنة الأولى الجذع المشترك ...
تم بحمد الله التفرغ لتبييض جميع حلقات تربية الأولاد في الإسلام وتم نشرها كلها خلال الشهر الفارط وسنتفرغ بإذن الله لتبييض حلقات شرح منهج السالكين ونشرها تباعا ...
تطلب مؤلفات أد محمد حاج عيسى من موزرع دار الإمام مالك رقم 0552959576 أو 0561461020 ...
صدر في سنة 2021 كتاب منهج البحث في علم أصول الفقه يقع في مجلدين وهي أطروحة للدكتوراه عن دار البصائر العراقية في استنبول . ...
أنشأنا في الموقع فرعا جديدا تحت ركن الدروس والمحاضرات وسميناه : دروس العقيدة الاسلامية للمبتدئين وهو برنامج ميسر للتدريس في المساجد والمدارس القرآنية ...