الجمعة 9 شعبان 1446

موقف طالب العلم من الأحداث المستجدة في العالم الإسلامي

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

موقف طالب العلم من الأحداث المستجدة في العالم الإسلامي
محاضرة القيت عبر التلغرام في قناة مبادرة تبيان
يوم 09 ديسمبر 2024
  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين : أما بعد فإنه يتجدد طلب الحديث عن هذه الأحداث مرة بعد مرة، وكأني أشعر أن الطلبة يشعرون بأنهم مقصرون في هذا الجانب أو أن بعضهم يرى غيره مقصرا فيه، وقد رأيت في اقتراح هذا الموضوع فرصة للحديث عن المنهج الوسط الذي ينبغي أن يسلكه من نسميه طالب علم، وهو داعية متدرب ، وفي المستقبل القريب أو البعيد هو داعية . وقد قسمت الموضوع إلى تمهيد وثلاثة عناصر : الأول دوافع الاهتمام والثاني : ضوابط الاهتمام والثالث مظاهر الاهتمام.
تمهيد
 إن للداعية المسلم ، سواء كان معلما في مدرسة أو إماما في مسجد وفي أي موقع كان؛ صفات لابد أن يتحقق بها، فتصبح جزء من شخصيته، وهذه الصفات لا تحدث فجأة بل بالتراكم والتتابع.
 فإذا كنا نقول إن من صفات الداعية أن يكون فقيها في دين الله تعالى، فالملكة الفقهية لا تحصل فجأة ، ولكن بتراكم على مر السنين من خلال مختلف العلوم والمواد والمواضيع التي يدرسها، فهو في الظاهر يدرس ويحفظ ويمتحن ، ولكن في الباطن هناك مكتسبات يحصلها لا يمكن أن نقيسها بنقطة ولا غيره، وهذا هو العلم الحقيقي، وهذا هو هدف التكوين ، إنه هو تلك الشخصية العلمية التي تبنى وتكتسب، حيث إن هذا الطالب في المستقبل يحسن التصرف مع القضايا التي تطرح عليه بحثا عنها، وتلخيصا لها، وتعبيرا عنها وإقناعا للناس بها، وهكذا ...ومثل هذا المطلوب لا يتأتى بالحفظ المجرد، ولا يحصل أبدا بتقييد العقل وتكبيله في مراحل الدراسة، بل يحصل بإطلاقه في إطار الحدود المعلومة في شرعنا .
    وكذلك هذا الداعية الذي نريده لابد أن يكون فقيها بواقعه وبيئته ومجتمعه الذي يعيش فيه، ونريده أن يكون مطلعا على واقع أمته في وطنه الكبير، -حاضر العالم الإسلامي- ولا يمكن أن يؤجل تكوينه في هذا المضمار إلى ما بعد التحصيل، أولا لأن تلك الغاية –ما بعد التحصيل- غير معروفة ولا هي محدودة، وثانيا لأن الذي يحتاجه ليس معلومات ثابتة تحفظ ولكن هي أيضا ملكة في فهم الواقع وتحليله وتحديد الواجبات المتعينة تجاهه في إطار الممكن، وهو ما نسميه بالوعي، والوعي أعم من أن يكون مجرد متابعة أحداث جارية .
   وإذا كان هذان الأمران مطلوبان في مسيرة طالب العلم داعية المستقبل، فلابد أن يحصلهما جميعا بالتوازي، لكن مع مراعاة التوزيع العادل للحجم الساعي، بين الفقه في الشرع والفقه في الواقع، ثم ترتيب أوليات الفقه الشرعي ومصادره الأكثر إفادة، وكذلك ترتيب الألويات في فقه حاضر الأمة ومصادره الأكثر إفادة.
   وإذا لم يضبط الطالب نفسه واتبع نفسه ما تهوى؛ فإنه سينجر إلى متابعة الأحداث والتعليق عليها وسيجد متعته فيها وينساق وراءها، وهي أحداث متتابعة ينسي كل واحد منها سابقه، حتى يصبح طالب العلم طالب أحداث لم يجمع سوى قيل وقالوا ...وفي الجهة المقابلة فإن الداعية الذي لا يفقه ما يجري ما في بلده وفي العالم الإسلامي ...قد يقع في أخطاء تضر بدعوته خاصة أو أمته عامة، وقد يتحول إلى ألعوبة يتحكم فيه بعض الناس بما يسوق له من أخبار يحصر فكره فيها ويوجهه من خلالها.
أولا : دوافع الاهتمام بما يجري في العالم الإسلامي
1-إن الإيمان يفرض عليك أيها الطالب أن تهتم بأمر المسلمين؛ فتفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم، وهذا الاهتمام من معنى الولاء للمؤمنين الذي هو فرع عن محبة الله تعالى ، قال تعالى ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) وقال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) (التوبة:71)، المعنى أنهم يحبون بعضهم بعضا ويتعاطف بعضهم مع بعض بسبب الايمان الذي جمعهم.
   وقال صلى الله عليه وسلم:"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه، (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه مسلم. وقال : "المؤمنون تتكافؤ دماؤهم، وهم يد على من سواهم". رواه أبو داود وصححه الألباني.
  بعده هذه الأدلة لا نحتاج إلى الحديث الضعيف جدا :"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
   وهذا الشعور لا يتم إلا بالاطلاع على حال المسلمين، في سيبريا والصين والفلبين ومانيمار والصومال وإريتريا والسودان والتشاد ومالي ونيجريا، وسوريا ومصر والبوسنة وألبانيا وأمريكا وأروبا ... وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
2-وإن هذا الاهتمام داخل في معنى النصح للمسلم الذي هو من حقوق المسلمين التي كان الصحابة يبايعون عليها، والدين النصيحة كما في الحديث ، وقال صلى الله عليه وسلم :"انصر أخاه ظالما أو مظلوما ". وقال :"ما من امرئٍ يخذل امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته" رواه أبو داود وحسنه الألباني.
3-وهذا الاهتمام من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ومما ورد في ذلك في خصوص من كان بعيدا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدث أبو هريرة رضي الله عنه فقال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم سنين كسني يوسف" رواه البخاري.
وقال أبو هُرَيْرَة أيضا: نَعَى لنا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النَّجاشِيَّ صاحِبَ الحَبَشَةِ، يَومَ الذي ماتَ فِيهِ، فقالَ: اسْتَغْفِرُوا لأخِيكُمْ. وقالَ: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَفَّ بهِمْ بالمُصَلَّى فَكَبَّرَ عليه أرْبَعًا. متفق عليه واللفظ للبخاري.
4-وإننا عندما نتأمل القرآن الكريم نجده قد عالج أمورا واقعية في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، كغزوة بدر وغزوة أحد وغزوة الأحزاب وصلح الحديبية وفتح مكة وغزوة حنين، وتحدث كثيرا عن المنافقين وعلاماتهم وعن الكفار  وخططهم وأقوالهم ...وما ذاك إلا لتبصير المسلمين بواقعهم وبما يجب عليهم، وتنبيها لهم على أخطائهم حتى لا تتكرر .
5-وإننا أيضا نؤمن بعالمية الدعوة الإسلامية، وعلى ذلك دلائل كثيرة في كتاب الله تعالى ، وهذا يفرض علينا الاطلاع على أحوال العالم لفتح قلوب أهله وأرضهم، ولما كانت الدعوة الإسلامية عرفت تراجعا في العصور الاخيرة، بسبب الحكم الشيوعي في الصين والجمهوريات الروسية سابقا، وبسبب التنصير في إفريقيا والسودان واندونسيا، وتسلط البوذيين على الهند والنصارى على الفلبين، فإنه يجب علينا أن نعرف واقع الأمة القريب والبعيد؛ من أجل صد العدوان وكبح حركة الردة والتنصر.
ثانيا : ضوابط هذه الدراسة المطلوبة
1-الحذر من مصيدة اللهو وتضييع الوقت باسم فقه الواقع وتتبع أحوال المسلمين، فمن ينقذ الناس لا يضيع نفسه ، وفي مقدمة كتاب الماجريات ذكر قصة للشيخ العلامة محمد المختار بن محمد المختار الشنقيطي أثرت في مؤلفه إبراهيم السكران -فك الله أسره-  فآثرت أن أشيد بها ، حيث ذكر سائلا شكى من هجره القرآن، وجواب شيخ عابد وقور تضمن حكاية حادثة له كيف أضاع قيام الليل بسبب متابعة التويتر.
    وفي هذا السياق مما ينصح به الطلبة قراءة تلبيس إبليس لابن الجوزي رحمه الله، لندرك أن الشيطان لا يغوى فقط العامة والعصاة، بل إن للشيطان تلبيسات على الطلبة والعلماء والدعاة، يلبس على الفقهاء والمحدثين وعلى المتخصصين في العقيدة واللغة وهكذا ...ولن تجدوا الصور المعاصرة في هذا الكتاب طبعا، ولكنكم ستجدون فيه الفكرة والدلائل العامة، ومما أحكيه لكم أنه عندي بحوث غير تامة لما أجلس في مكتبي لا أتذكرها، بعضها ينسي بعضها، ولكن عندما أجلس في المسجد بعد العصر أو المغرب لقراءة وردي من القرآن يأتيني الشيطان ويذكرني بتلك البحوث واحدا واحدا، عسى أن يخرجني من المسجد.
    فالطالب مطالب بالحفاظ على التوازن المطلوب ، وقد كتب السكران في ذلك عنوانا منبها على المراد (بين فقه الواقع والغرق في الواقع).
2-إن الاطلاع على أحوال المسلمين لا يعني خوض الطلاب فيها، بل إن حدوث الحدث فرصة لقراءة التاريخ السابق له، فلما اندلعت الحرب في البوسنة قديما مثلا كان ذلك محفزا لكثير من الطلاب أن يرجعوا إلى قراءة تاريخ الدولة العثمانية في شرق أروبا ، ولما اندلعت الحرب في الشيشان بحثنا عنها في الخريطة أين هي؟ وما تاريخ الإسلام فيها؟ ومتى احتلها الروس ؟ وكذلك تجدد الأحداث الهند يدفع إلى قراءة تاريخ الاسلام في الهند، وما سبب تحول الحكم فيها من يد المسلمين إلى البوذيين، وهكذا مع أحداث غزة وأحداث سوريا الأخيرة، بهذه الطريقة تكثر القراءة التاريخية وينمو الوعي، لأنه لا يفهم الواقع إلا بفهم التاريخ ، وإنه إذا قرأنا كثيرا فقط يحق لنا أن نتكلم قليلا .
   وبالنسبة للأحداث المعاصرة فليس شأن طالب العلم تتبعها لحظة بلحظة، ولكن يكفيه خلاصاتها التي يستقيها من مواقع إخبارية إسلامية أو محايدة، والنظر في تحليلات موثوقين، وذلك قد لا يأخذ منك ساعة من نهار أول الأمر ثم تتناقص بعدها، وقد يقول قائل ساعة من الزمن شيء كثير، فيقال له قلنا إنها تتناقص بعد، وهذه الساعة لا يقال إنها على حساب الفقه يعني بدل الاشتغال بالفقه أربع ساعات ستصير ثلاثا، لأنا نقول إننا بحسب علمنا بواقع الطلاب اليوم نحن متيقنون أنه سينقص ساعة من متابعة التفاهة وليس من دراسة الفقه، أعنى أنه بدلا من أن يضيع من وقته ساعتين في التفاهة فإنه باهتمامه بأمر المسلمين سيضيع ساعة فقط، بل إن آلام المسلمين ربما ستكون علاجا له من متابعة التفاهة والتافهين.
   ومن عبارات السكران المهمة في كتابه (المتابعة المتفرجة والمتابعة المنتجة) وإن كان مراده مختلفا عما رمينا إليه آخرا.
3-لابد أن ننبه أن الإدمان له آثار سلبية منها: فتور الهمة في الطلب واستمراء حديث السياسة السهل، ومنها حصول الهزيمة النفسية والاحباط ، وهذا الأخير قد يؤدي إلى التطرف الفكري؛ فإن القانط اليائس سينقلب مقنطا للناس، وبدلا من الانخراط في السعي للعلاج الذي يتطلب صبرا ووقتا، يتحول الطالب والداعية إلى إصدار أحكام التكفير والتفسيق والتبديع، ويعلق النصر الأمة على أمور ليست بيده ليستريح هو من الاجتهاد والعمل .
4-ولابد أن لا تغطي أحداث على أحداث أخرى، بل لكل حدث حظه، وقد رأينا أنظار كل الناس متجهة إلى السودان فلما جاءت أحداث غزة نسي الناس كلهم السودان، ثم جاءت أحداث سوريا فكاد الناس ينسون غزة ، وبؤر التوتر في العالم كثير منها منسي، فاليمن أهله يعاني والصومال مقسم، وأهل شمال مالي يعانون التقتيل والتهجير وهم أقرب إلينا، ونحن في غفلة عما يجري هناك...الخ.
5-ثم إن الاشتغال بأمر المؤمنين البعيدين لا ينبغي أن يشغلنا عن أمور المؤمنين القريبين ، ولا يجوز أن يشغل الأمة عن واجباتها اليومية، ففي بداية طوفان الأقصى انتشرت مقولة مزورة منسوبة لابن تيمية بوجوب تكسير الاقلام وتمزيق الكراريس في الوقت الذي تكون فيه الأمة تخوض معارك كبرى، وقد نشرتُ يومها كلاما لابن تيمية يبين فيه أن الجهاد منقسم حسب التخصصات فالفقيه يطلب منه ما هو من اختصاصه وكذلك الصانع وغيره، فكل فرد من الأمة يجاهد من موقعه وفي مجال اختصاصه، ومن الجهالة نشر تلك المقالة القاتلة بين الطلاب في العالم الإسلامي كله، والناشر يعلم أن القتال غير ممكن ولا متعين إلا على من هو هناك في مواقع التماس مع العدو، ومما ينبغي أن يتذكر أن فرنسا لما احتلت الجزائر سنة 1830 قد جلبت مع عساكرها جيشا من القساوسة وعلماء الاجتماع والآثار ، وكل واحد منهم كان له مهمته الاستعمارية الاستيطانية...
  وإن التاريخ السياسي للأمة الاسلامية كان مليئا بالاضطرابات التي لم تتوقف يوما، ومع ذلك فإن العلماء لم يتركوا واجب التعليم والتأليف لحظة واحدة، ومما قرأناه في تاريخ حرب التحرير الجزائرية أن العقيدة عميروش منع المعلمين من الالتحاق بالثورة إلا بقدر الحاجة، وقال لمعلم :"أنت في موقعك أعلى رتبة مني"، وأرسل عددا كبيرا من الطلاب لمواصلة التعليم في الخارج، ولم يقل إن هذا وقت حرب لا وقت التعليم وطلب العلم.
ثالثا : ما هو المطلوب
1-أهم شيء هو وحدة الشعور وتحصيل الوعي وهو واجب بكل حال .
2-نشر ذلك الوعي دون دخول في المهاترات الفارغة كما هو حادث الان في أحداث سوريا، والحديث عن الماضي القريب والبعيد أسلم للطالب المتدرب..
3-زيادة الاهتمام بتكوين الذات لأن الاسلام ينتصر بالمسلم القوي لا بالمسلم الضعيف، وأسباب القوة في الإسلام كثيرة، فالتكنولوجيا من أسباب القوة والإعلام من أسبابها وعلم الاجتماع من أسبابها ، وتعلم اللغات كذلك ...وهنا أذكر شيئا مهما جدا ، لا شك أنكم قرأتم منشورات لإيدي كوهين أو سمعتم مقاطع لأفخاي أذرعي وهو يخاطب المسلمين بالعربية، ورأيتكم إسهامهم في الحرب النفسية ضد المسلمين وهم يكتبون ويتكلمون باللغة العربية ، ولا شك أنكم أيضا رأيتم في المقابل بعض مقاطع المقاومة مكتوبة باللغة العبرية، ألم ينبهكم ذلك إلى أهمية التحكم في لغة العدو، بعض المسلمين فكر في مخاطبة اليهود بالطريقة نفسها، لكنهم مع الأسف لا يملكون اللغة ، فلا لتكسير الأقلام مهما كانت الظروف.
4-مما يتعلق بالقدرة والإمكان هو الدعم المادي إسهاما وحثا عليها وإرشادا توعية ، وما دامت في الجزائر إمكانية دعم المسلمين مفتوحة سواء في غزة أو غيرها فلا ينبغي التخلف عنها.

تم قراءة المقال 59 مرة