فنقول إنه لا خلاف بين المسلمين أن الدين في حد ذاته لا يبلى بتقادم الزمان ومر العهود، وإنما يضيعه أصحابه إما بالنسيان وإما بالتحريف، وكانت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم تأتي تباعا لتصلح ما أفسده البشر، وتصحح ما حرفوه من شرعة الله تعالى ومنهاجه. فلما جاء رسولنا صلى الله عليه وسلم بالشرعة الخاتمة والقرآن المهيمن ولم يعد يرجى رسول بعده، تولى المولى عز وجل حفظ دينه بنفسه وقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) وكون الله تعالى هو الحافظ للذكر من التضييع والتحريف لا ينفي أن يكون لذلك الحفظ أسباب ظاهرة سخرها سبحانه بقدرته، فإنه إذا أراد أمرا هيأ أسبابه([4]).
وإن من الأسباب الربانية المقتضية لحفظ الدين أن يبعث في كل قرن من يجدد للأمة أمر دينها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :« إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا »([5])، ومعنى هذا التجديد إحياء السنن وتطهير الدين مما علقه به وليس منه ورده إلى ما كان عليه في العهد الأول، قال ابن القيم:« ولولا ضمان الله بحفظ دينه وتكفله بأن يقيم له من يجدد أعلامه، ويحيي منه ما أماته المبطلون، وينعش ما أخمله الجاهلون لهدمت أركانه وتداعى بنيانه، ولكن الله ذو فضل على العالمين»([6]). وقال أيضا : «ولهذا لما سلط المحرفون التأويلات الباطلة على نصوص الشرع فسد الدين فسادا، لولا أن الله سبحانه تكفل بحفظه وأقام له حرسا وكلهم بحمايته من تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين؛ لجرى عليه ما جرى على الأديان السالفة، ولكن الله برحمته وعنايته بهذه الأمة يبعث لها عند دروس السنة وظهور البدعة من يجدد لها دينها ولا يزال يغرس في دينه غرسا يستعملهم فيه علما وعملا » ([7]).
وإن من البدع التي ينبغي أن يطهر منها الشرع الحنيف بدعة التجديد العصراني، وفي هذا البحث سأقتصر على مناقشة الدكتور حسن الترابي الذي انتصر بقوة لفكرة تجديد علم أصول الفقه، حيث خصه بالتأليف وتكلم فيه وكرر الكلام ، وهو في الوقت نفسه يزعم أنه من أهل الاعتدال في دعوته([8])، ولأنه قد استدل وحاول أن يؤصل دعوته من منطلق أدلة ومبررات قد يُلبس بها على بعض الناس، بخلاف غيره من دعاة العصرنة والذين يعتبرون أجانب عن علوم الشريعة والذين يعرضون أفكارهم على استحياء دون تدليل أو تأصيل، وبعبارات متسمة بالغموض والإجمال، وكثيرا ما توحي بوصف الإسلام والاحتكام إلى الثوابت الشرعية بالجمود وعدم مسايرة ركب الحياة([9]).
وبعد هذا التمهيد نأتي إلى بيت القصيد وهو مناقشة نظرية تجديد أصول الفقه عند التربي ، وذلك من خلال المبحثين الآتيين.
المبحث الأول : عرض نظرية الترابي
المبحث الثاني : نقد النظرية ومناقشتها
المبحث الأول : عرض نظرية الترابي
نقسم هذه النظرية إلى مبررات ودلائل ونتيجة وبدائل، أما المبررات فهي المقدمات التي قدمها على أنها دلائل على فساد أصول الفقه وعدم وفائه بحاجات العصر، وأما النتيجة فهي حقيقة التجديد الذي يرمي إليه، وسنضمنه أصوله الجديدة التي يريد استدراكها على علماء الإسلام.
المطلب الأول : المبررات والدلائل
قد ساق الترابي في ثنايا كتاباته في موضوع التجديد ، عدة مبررات لدعوته وحاول أن يحتج لها بدلائل ، وقد تأملت هذه الدلائل وفصلت بعضها عن بعض وصنفتها على النحو الآتي([10]):
الفرع الأول : أن الأصول القديمة لا تلبي حاجات العصر
يزعم الترابي أن الأصول القديمة لا تلبي حاجات العصر لأنها أصبحت تؤخذ تجريدا، حتى غدت مقولات نظرية عقيمة لا تكاد تَلِد فقها ألبتة بل تولِّد جدلا لا يتناهى، والفقه الحي المتجدد لا ينشأ إلا بين أحضان أصول حية متجددة([11]). ويقرر أن حاجة النهضة الإسلامية إلى المنهج الأصولي أصبحت ملحة ثم يستدرك قائلا:« لكن تتعقد علينا المسألة بكون علم أصول الفقه التقليدي الذي نلتمس فيه الهداية لم يعد مناسبا للوفاء بحاجتنا المعاصرة حق الوفاء، لأنه مطبوع بأثر الظروف التاريخية التي نشأ فيها، بل بطبيعة القضايا الفقهية التي كان يتوجه إليها البحث الفقهي»([12]).
الفرع الثاني : غلبة الجدل والمنطق على الأصول
ومن الأمور التي تشبث بها الترابي في دعواه غلبة الجدل العقيم على المباحث الأصولية، وتحكيم القواعد المنطقية في مسائله وحدوده([13]).
الفرع الثالث : أن أصول الفقه كان متطورا في صدر الإسلام ثم جمد
ومن شبهاته زعمه أن أصول الفقه كان متطورا في صدر الإسلام، ويتمسك بدعواه أن عمر بن الخطاب t طور الأصول ووسع دائرة المصالح في عهد خلافته، وأن فقهاء المدينة تبعوه في ذلك وورثوا عنه سعة الأصول، لكن اللاحقين منهم لم يطوروا الأصول كما طورها عمر t، وفحوى كلامه أنه كما تطورت الأصول في صدر الإسلام بحسب حاجات ذلك الزمن، فإنه لنا أن نطورها نحن أيضا بحسب حاجات زماننا([14]).
الفرع الرابع: عدم شمول الفقه للقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
ومن مغالطات الترابي زعمه عدم شمول الفقه المدون أو القديم -كما هو تعبيره- للقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إذ كتابات أصحابه كانت عبارة عن فتاوى فرعية، وقليلا ما كانوا يكتبون الكتب المنهجية النظرية، فقد كانوا يكتبون في قضايا الأفراد لا في قضايا الأمة([15])، وقال:« إن القضايا التي تجابهنا في مجتمع المسلمين اليوم إنما هي قضايا سياسية شرعية عامة أكثر منها قضايا خاصة، ذلك أننا نريد أن نستدرك ما ضيعنا من جانب الدين، والذي عُطل من الدين أكثره يتصل بالقضايا العامة والواجبات الكفائية، وأكثر فقهنا من ثم لا يتجه إلا إلى الاجتهاد في العبادات الشعائرية والأحوال الشخصية …أما قضايا الحكم والاقتصاد وقضايا العلاقات الخارجية مثلا فهي معطلة لديهم ومغفول عنها، وإلى مثل تلك المشكلات ينبغي أن يتجه همنا الأكبر في تصور الأصول الفقهية واستنباط الأحكام الفرعية»([16]).
الفرع الخامس: قواعد تفسير النصوص لا تفي بالمطلوب
ومن الأمور التي تمسك بها في دعواها أن قواعد تفسير النصوص التي هي لب أصول الفقه لا تفي بالمطلوب، لأن جوانب الحياة العامة واسعة وتحتاج إلى اجتهاد واسع لا يقف عند حد النصوص المحدودة، قال:« ونحتاج في نشاطنا الفقهي لأن نركز تركيزا واسعا على تلك الجوانب وعلى تطوير القواعد الأصولية التي تناسبها، فالأصول التي تناسبها ليست هي الأصول التفسيرية وحدها-وأعني بها قواعد تفسير النصوص-ذلك نظرا لقلة النصوص التي تتعلق بنظام الحياة»([17]).
الفرع السادس : والقياس أيضا لا يتسع للقضايا الاقتصادية والسياسية
ومن شبهاته أن القياس التقليدي -كما يصفه أيضا- لا يستوعب حاجتنا لأنه مضبوط بضوابط تضيق من دائرته، وضوابط أملاها التأثر بمعايير المنطق الصوري التي وردت على المسلمين من الغزو الثقافي الأول، وهو يدور في فلك محدود لأنه يقتصر على قياس حادثة محدودة على سابقة محدودة معينة ثبت فيها حكم بنص شرعي([18]).
المطلب الثاني : النتيجة والبدائل
أما ما أراد أن يؤصله وأن يجعله بديلا لأصول الفقه المعروفة فهي أربعة أصول: القياس الواسع، والاستصحاب الواسع، والفقه الشعبي، وأوامر الحكام، ونشرح هذه الأدلة من كلامه من غير زيادة ولا نقص في الفروع الآتية:
الفرع الأول : القياس الواسع
في مقابل القياس المحدود يقترح ما اصطلح على تسميته بالقياس الواسع، أو القياس الفطري الحر من تلك الشرائط المعقدة التي وضعها له مناطقة الإغريق([19])، قال في شرحه:« أما القياس الإجمالي الأوسع أو قياس المصالح المرسلة؛ فهو درجة أرقى في البحث عن جوهر مناطات الأحكام، إذ نأخذه جملة من أحكام الدين منسوبة إلى جملة الواقع التي تنزل فيه، ونستنبط من ذلك مصالح عامة ونرتب علاقاتها من حيث الأولوية والترتيب، وبذلك التصور لمصالح الدين نهتدي إلى تنظيم حياتنا بما يوافق الدين، بل يتاح لنا ..أن نوسع صور التدين أضعافا مضاعفة»([20]).
الفرع الثاني : الاستصحاب الواسع
ومن الأصول البديلة ما وصفه بالاستصحاب الواسع الذي يخرج عن معنى استصحاب النصوص والعمومات أو الإجماعات إلى معنى آخر يقول في وصفه :« ومغزى الاستصحاب هو أن الدين لم ينزل بتأسيس حياة كلها جديدة وإلغاء الحياة قبل الدين بأسرها…بل كان المبدأ المعتمد أن ما تعارف عليه الناس مقبول وإنما ينزل الشرع ويتدخل ليصلح ما اعوج من أمرهم»([21]).
الفرع الثالث : الفقه الشعبي
بدلا عن الإجماع المعروف في أصول الفقه أتى بما يسميه بالفقه الشعبي الذي يصور الإجماع فيه بصورة التصويت في قاعات المجالس النيابية، وزعم أن حق الفقه في الإسلام أن يكون فقها شعبيا، وذلك أن التحري عن أمر الدين ليس من حق طبقة من رجال الدين ، يعني أن حق النظر الفقهي ليس من حق الفقهاء وحدهم، ووصف الفقهاء بمثل وصف البروتستانت لرجال الدين الكاثوليكي من احتكار الدين وجعله سرا من الأسرار يحجبونه عن الناس، وجعل أنفسهم وسطاء بين العباد وبين ربهم، وأهل سلطة مركزية يستبدون بأمر الاجتهاد دون الناس، ثم قال : «الاجتهاد مثل الجهاد وينبغي أن يكون منه لكل مسلم نصيب »([22])، وهذا يسحبنا إلى الحديث عن شروط الاجتهاد في نظره فهي ليست ما يذكره علماء الفقه والأصول في مدوناتهم ولكنها جملة مرنة من معايير العلم والالتزام تشيع بين المسلمين ليستعملوها في تقويم قادتهم الفكريين ([23])، ومعنى هذا أن أهلية الاجتهاد يعطيها عامة الناس لمن يختارونهم ويمثلونهم ، وهو ما صرح به بقوله : « ومهما تكن المؤهلات الرسمية فجمهور المسلمين هو الحكم وهم أصحاب الشأن في تمييز الذي هو أعلم وأقوم، وليس في الدين كنيسة أو سلطة رسمية تحتكر الفتوى »([24]).
والذي يضبط هذا الفقه الشعبي عنده هو الإجماع الواسع –في المجالس النيابية-أو الأمر الحكومي، قال : «ويدور بين الناس الجدل والنقاش حتى ينتهي في آخر الأمر إلى حسم القضية، إما بتبلور رأي عام أو قرار يجمع عليه المسلمون أو يرجحه جمهورهم وسوادهم الأعظم، أو تكون مسألة فرعية غير ذات خطر يفوضونها إلى سلطانهم وهو من يتولى الأمر العام حسب اختصاصه بدءا من أمير المسلمين وإلى الشرطي والعامل الصغير»([25]).
الفرع الرابع : أوامر الحكام
ومن مصادر التشريع عند الترابي في أصوله الجديدة أوامر الحكام ، وزعم أن الفقهاء أغفلوا هذا المصدر لما رأوا أن الحكام قد انحرفوا عن نمط الخلافة الإسلامية الراشدة وعن نموذج الحكم الديني الذي تقتضيه الشريعة، وجردوهم من حقهم في التشريع، وأصبح الفقه الإسلامي في نظره قطاعا خاصا بالفقهاء قال :«بالرغم من أن أصول القرآن الكريم تجعل لولاة الأمر حق الطاعة من بعد طاعة الله والرسول، ولقد سكت الفقهاء عن هذا الحق فلا تكاد تجد له أثرا في كتب أصول الفقه أو أصول الأحكام، حتى لو قرأت كتابا حديثا عن أصول الفقه الإسلامي، فإنك لا تكاد تقع فيه على ذكر الحكومة ألبتة»([26]).
وقال في موضع آخر مبينا خلاصة ما يبتغي الوصول إليه بفلسفته:« ويمكن بذلك أن تتغير أصول الفقه والأحكام، ويصبح إجماع الأمة المسلمة أو الشعب المسلم، وتصبح أوامر الحكام كذلك أصلين من أصول الأحكام في الإسلام»([27]).
المبحث الثاني : نقد النظرية ومناقشتها
بعد هذا العرض الأمين إن شاء الله تعالى لنظرية الدكتور ، نرجع في هذا المبحث إلى مناقشة النظرية ، وسنناقش أدلته الجديدة التي جعلها بديلة عن أدلة الشرع ، كما سنناقشه في المبررات والدلائل التي امتطاها ليصل إلى هذا المعنى الغريب من التجديد ، وقد جعلت هذا المبحث في المطلبين الآتيين :
المطلب الأول : مناقشة المبررات والدلائل
بعد أن سردنا أفكاره من قبل مشروحة مفصلة ، نذكر بها هنا في هذا المطلب بصورة موجزة ونجيب عنها بما يناسبها بحول الله تعالى وعونه :
الفرع الأول : أن الأصول القديمة لا تلبي حاجة العصر
ادعى فيما ادعاه أن الأصول القديمة وليدة عصرها ولا تلبي حاجة العصر، وجواب هذه الدعوى كما يلي: نحن أولا لا نسلم المقدمة التي انطلق منها وهي أن أصول الفقه كان وليدة بيئة ومتأثرة بالظروف التي نشأت فيها، فهذه مقدمة تحتاج إلى إثبات ولا يمكن أن تكون دليلا على غيرها. ثم ما هي الأصول التي كانت وليدة البيئة ومتأثرة بالظروف آلكتاب أم السنة أم الإجماع أم القياس ؟؟ إن هذه الأصول وما تفرع عنها لم يثبتها العلماء إلا من منطلق دلائل نقلية قطعية، وقد دل على جميعها الكتاب وهو أم الدلائل كلها، وكذلك دلالات الألفاظ التي هي قوانين اللغة العربية قبل نزول الوحي وميلاد الرسول e هل يقول عاقل إنها كانت وليدة العصر العباسي مثلا. وقد يقال: نعم نتفق معه أن الطريقة التي دونت بها مسائل العلم في عصور الانحطاط حالت دون فهم هذا العلم، ودون بلوغه غايته وصيرته عقيما غير منتج، لكن هذا لا يجعلنا نلغيه من أصله ونبحث في الأنظمة الوضعية عن بدائل لقواعد الشرع وأصوله ، بل الواجب هو التجديد بالمعنى الشرعي الذي سبق أن بيناه، وهو أن نرجع بالأصول إلى عصرها الذهبي، عصر السلف، عصر الفقه والاجتهاد.
الفرع الثاني : غلبة الجدل والمنطق على الأصول
ومما تمسك به في بيان عدم صلاحية الأصول الشرعية غلبة الجدل والمصطلحات المنطقية عليها وجواب هذا على النحو الآتي: أولا إن التعميم في الحكم هو تضليل للأمة جمعاء ولا تجتمع الأمة على ضلالة، ومعلوم أن هذه الآفة لم تكن عامة في المؤلفات الأصولية، وهذه كتب الأصول الأولى وفي مقدمها رسالة الشافعي ليس فيها شيء من ذلك، ثم إن الفقهاء المجتهدين فعلا لم تكن لهم مؤلفات في هذا الفن، حتى يقال إن فقههم وأصولهم غلب عليها الجدل وانطبعت بالثقافة اليونانية والمنطق الأرسطي، وهذا النقد إنما ينصب على مؤلفات عصور الانحطاط.
ونحن نتفق معه على أن المتكلمين من الأصوليين قد تأثروا كثيرا بفلسفة اليونان القديمة ، كما ننبهه أن المفكرين العصريين –وهو منهم -قد افتتنوا بحضارة الغرب الحديثة!!
وهذا الدليل ما هو إلا استغلال لنقطة من النقط المشتركة بينه وبين دعاة التجديد الشرعي ليقدم البدائل المحدثة التي جاء بها، وإلا فهو لا يؤمن بصلاحية الأصول الشرعية كلها ما امتزج منها بالكلام والمنطق وما خلا منها، واستمع إليه وهو يقول:« فأفكار السلف الصالح ونظمهم قد يتجاوزها الزمن، من جراء قضائها على الأمراض التي نشأت من أجلها، وانتصارها على التحديات التي كانت استجابة لها»([28]). وقال:« ومهما كان تاريخ السلف الصالح امتدادا لأصول الشرع، فإنه لا ينبغي أن يوقر بانفعال يحجب تلك الأصول، فما وجد في تراث الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ابتداء بأبي بكر فهو تاريخ يستأنس به فما أفتى به الخلفاء الراشدون مثلا والمذاهب الأربعة في الفقه، وكل التراث الفكري الذي خلفه السلف الصالح …هو تراث لا يلتزم به»([29]).
الفرع الثالث : دعوى تطور الأصول في الصدر الأول
ومما زعمه أن علم أصول الفقه كان متطورا في الصدر الأول فلم لا يكون متطورا في زماننا والجواب عن هذه الشبهة فيما يأتي : إن قصد تطور مضمونه وقواعده فلا نسلم هذه الدعوى لا في عهد عمر t ولا في عهد غيره، بل أصول الفقه (بمعنى دلائله الكلية) أمور ثابتة قطعية لا ظنية، وهي ربانية لا بشرية وضعية، وإن قصد تطور الشكل وتجلية القضايا وتدوينها، فالكتب الموسومة بتاريخ التشريع كلها حافلة بذكر مراحل هذا النمو في عصر التابعين وأتباعهم وفي عصر الأئمة والمجتهدين، ولم يخصوا ذلك بعهد عمر t([30])، وإن قصد الاستدلال بنمو الشكل على تطور المضمون فهذا من الغفلة التي ينزه عنها دعاة التجديد، أو من التلبيس الذي لا يليق بالمنصفين.
الفرع الرابع : عدم شمول الفقه للقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
ومما افتراه بجرأة عجيبة قوله بأن الفقه الإسلامي المدون لا يشمل قضايا الاقتصاد والسياسة والاجتماع ، وجواب هذه الفرية على النحو التالي : إننا لا نسلم أن الفقه المدون لا يشمل القضايا العصرية ، بل في النصوص الشرعية، وفي كلام علمائنا السابقين فضلا عن المتأخرين؛ ما يمكن أن يستخرج منه الأحكام الشرعية للمسائل الحديثة، وهذه الأحكام هي الأحكام التكليفية والوضعية المعروفة وليست حتما هي الإباحة التي لا يطلب العصرانيون غيرها. وإن سبب هذه النظرة السلبية للفقه هي العجمة التي تحول بين المرء وبين فهم النصوص وكلام الفقهاء، وفقدان آلات الاجتهاد (أصول الفقه) ([31]) التي تجعل الناظر في هذا التراث يتفاعل معه ويستخرج منه الأجوبة لكل جديد وحادث، أو الغربة التي تنتج عن ابتعاد المتكلم عن الفن الذي يتكلم فيه.
وكذلك الزعم بأن فقهاء الإسلام لم يهتموا إلا بالأمور الشخصية والفردية دون الأمور العامة مغالطة كبيرة وتزوير تاريخي، فالعلماء لا يزالون يتكلمون في مسائل الفقه التي تهم الراعي والرعية وهذه كتب السياسة الشرعية شاهدة على ذلك، بل وكتب الفقه العادية طافحة بالمسائل التي تهم الأمة في السياسة والاقتصاد، وبمراجعة سير العلماء تجد أنهم كانوا على صلة مباشرة بقضايا الأمة وبحياة الناس، وكان لكثير منهم أثر في تسيير قضايا مصيرية تتعلق بالأحوال الشخصية والجهاد والحكم وغير ذلك .
وعلى كل حال إن إيجاد الحلول لمستجدات العصر ليست مسؤولية الفقهاء الماضين وإنما هي مسؤولية الذين يعايشون هذه المستجدات ، فالمسلمون اليوم أحق من يرمى بالجمود لا سلفهم ولا شريعتهم، وليس من معنى كسر قيد الجمود الخروج عن رحاب الشريعة الواسعة إلى متاهات الشرائع الأرضية التافهة، وإن هذه الحجة لا تنهض لكل ما يطلبه الترابي ، وهو تقنين الحياة حتى في الأمور التي أطلقها الشرع فقد قال: « وليس ثم من مفت يفتيك كيف تسوق عربة أو تدير مكتبا، ولكن الكتب القديمة تفتيك حتى كيف تقضي حاجتك!» ([32]).
الفرع الخامس : قواعد تفسير النصوص لا تفي بالمطلوب
وزعم الترابي أن قواعد تفسير النصوص لا تفي بالمطلوب وجواب قوله من وجوه :
أحدها أن هذا الكلام فيه اتهام وهو دعوى تحتاج إلى برهان فلا ينهض دليلا على غيره ما لم يبين إثباته.
وثانيها أن وراء هذا الكلام اتهام النصوص بعدم الكفاية والشمول، وهذا اتهام للدين وهل الدين إلا نصوص الكتاب والسنة ، وقد ألمح إلى هذا بأن هذه القواعد لا تجدي لأن النصوص التي تتعلق بها في حد ذاتها محدودة.
وثالثها : أن من النتائج التي توصل إليها الفقه الشعبي وأوامر الحكام فيا ترى إلى ماذا سيستند هذا الفقه وتلك الأوامر إذا لم تستند إلى النصوص وإلى قواعد التفسير المشار إليها.
الفرع السادس : والقياس أيضا لا يتسع لقضايا السياسة والاقتصاد
بعد أن قدح في قواعد تفسير النصوص قدح في القياس ووصفه بالضيق وعدم الاتساع، لأن من الأجوبة البديهية التي يتوقعها أنه يوجد إلى جانب قواعد التفسير دليل القياس، وجوابه أنه لابد أولا وقبل كل شيء من تحديد مفهوم الضيق والاتساع فإن هذه أمور نسبية وهو ما لم يبينه في كلامه، ثم نقول وصف القياس الشرعي بالضيق وعدم الاتساع (إلى ما يحتاجه الناس) دعوى تحتاج إلى دليل وتمثيل.
ويقال له أيضا: هب أن القياس لا يتسع لكل القضايا، فهل هذا يجعلنا نلغيه أو نتهمه بالقصور؟ إن الأصوليين الذين دونوا ضوابط القياس وحدوده كانوا يدركون عدم اتساعه لكل القضايا؛ إذ نصوا على أن في الشرع قضايا تعبدية محضة لا تدرك معانيها، ولذلك تحدثوا عن اعتماد الاستدلال المبني على المناسب المرسل وعن الاستصحاب. وإن زعمه بأن شروط القياس وضوابطه مستلة من قواعد المنطق الصوري العقيم مغامرة، تدلنا على أنه قد سمع عن القياس ، لا أنه درسه وتعمق في فهمه ونظر في آثاره ثم انتقده. ويدلنا على ذلك أنه زعم أن هذا القياس المحدود إنما يصلح في بيان العبادات والآداب والنكاح دون غيرها من المجالات الواسعة ([33]).
المطلب الثاني : مناقشة النتيجة والبدائل
وبعد مناقشة الدلائل والمبررات نأتي إلى مناقشة الأدلة البديلة التي طرحها بعد التذكير بملخص ما طرحه في شرحها ، وذلك في الفروع الآتية :
الفرع الأول : القياس الواسع
مما اقترحه ما سماه القياس الواسع الفطري الذي لا ينضبط بقواعد المنطق الصوري، ومن الجواب أن يقال له : ما هو هذا القياس الواسع ما تعريفه وما شروطه وما أمثلته؟ إنه قد عاب كتب الأصول بأنها تجريدية، فأين الحيوية فيما يدعو إليه؟ وأين المثال الحي والتطبيقات العملية؟([34]). ثانيا : ثم إنه في ضمن كلامه وصفه بقياس المصالح المرسلة ، ومصطلح المصالح المرسلة مصطلح معروف عند أهل الأصول وقد يعبرون عنه بالقياس المرسل أو الاستدلال ، ولا أظن الترابي يستدرك على الأصوليين شيئا تكلموا فيه وأفاضوا في شرحه، وإلا فهو يؤكد لنا عدم تصوره لمسائل العلم وعدم اطلاعه على الكتب المصنفة فيه، وهذا لا يليق بمجدد.
والذي يظهر لي أنه يقصد شيئا آخر غير باب المصالح والمناسبات المرسلة، لأن لهذه المناسبات دلائل تعتمد عليها وضوابط تضبطها ، وهو لا يرضى أن يكون القياس كذلك؛ فقد وصفه بالقياس الفطري الحر ، والفطري هو الذي لا يحتاج إلى علم أو تعلم، والحر هو الذي لا ينضبط بضابط، ومثل هذا القياس هو الذي ينسجم مع الفقه الشعبي الذي يدعو إليه.
الفرع الثاني : الاستصحاب الواسع
وثاني شيء اقترحه في شريعته الجديدة ما سماه "الاستصحاب الواسع"، والجواب عنه أيضا بالاستفسار: ما هو حد الاستصحاب الواسع الذي يدعو إليه؟ ما حقيقته وما دلائل إثباته؟ وما هي تطبيقاته التي لم يهتد إليها الفقهاء والأصوليون؟ وبعدها نذكره بقوله وهو يشرحه : «وحسب قاعدة الاستصحاب الفقهية الأصل في الأشياء الحل وفي الأفعال الإباحة وفي الذمم البراءة من التكليف » وذلك يعني أن لا جديد في مفهوم الاستصحاب سوى إضافة كلمة :« الواسع » .
الفرع الثالث : الفقه الشعبي
المصدر الثالث من مصادر التشريع عند الترابي ما سماه "الفقه الشعبي" وقد جعله بديلا عن دليل الإجماع في شريعة الإسلام ، والجواب عنه من وجوه:
أولا : إن حقيقة هذه الدعوة فتح باب الاجتهاد لكل من هب ودب، والسماح لأي كان من أفراد المجتمع أن يتكلم في الحلال والحرام والسياسة العامة وأحكام الاقتصاد والاجتماع وغير ذلك حتى الفساق، بل وللمنافقين أيضا حق ونصيب في هذا الاجتهاد الشعبي، وهذا ما لم يقله أحد من العقلاء المنتسبين إلى ملة الإسلام.
ثانيا : ولو قيل هذا الكلام في غير الشرع لما قبله العقلاء جميعا، فهل يعقل أن يجتهد في الطب إلا الأطباء وفي الكمياء إلا الكميائيون؟ وهل يقبل كلام العوام من الأعاجم في مسائل النحو والعربية.
ثالثا : إن الترابي في حجته الأساسية قال إن الأصول كانت متطورة في الصدر الأول للإسلام، فهل له أن يرينا نماذج من الاجتهاد الشعبي في عصر عمر رضي الله عنه، إن الذي نجده في الآثار المنقولة أن العامة كانوا يرجعون إلى فقهاء الصحابة والتابعين ، ولم يكن كل واحد يعمل برأيه الخاص.
رابعا : إن تشبيهه لفقهاء الإسلام برهبان النصارى المحتكرين للدين كلام في منتهى الخطورة ينبغي أن يستتاب منه([35])، وأين هو من قوله تعالى:] وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [ (النساء:83) وقوله : ]فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[ (النحل:43).
خامسا : ثم إنه تناقض فجعل أهلية الاجتهاد لبعض أفراد الأمة وليس لجميعها، لكن عامة الناس هم من يهبون هذه الأهلية إلى من يشاؤون، أولم يعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه والجاهل بالشيء لا يشهد به.
سادسا : إن حقيقة الفقه الشعبي الذي وصف هو الفوضى بعينها، ثم إنه لما شعر بذلك أراد أن يضبط أقوال الشعب بالإجماع الواسع وأوامر الحكام ولكنه عاد ففتح الباب للفوضى إذ قال:« أو تكون مسألة فرعية غير ذات خطر يفوضونها إلى سلطانهم وهو من يتولى الأمر العام حسب اختصاصه بدءا من أمير المسلمين وإلى الشرطي والعامل الصغير » فكم من شرطي يوجد في الدولة وكم من عامل صغير ؟؟
سابعا: إنه إذا كانت الديمقراطية التي هي حكم الشعب عن طريق الأغلبية ضلالا وكفرا، فكيف يكون حال هذه الديمقراطية الشعبية الفوضوية، قال عدنان أمامة :« إن الترابي بهذا الرأي يقترب خطوات كبيرة من العلمانيين الذين يجعلون الشعب وليس الشرع مصدرا للسلطة والحكم»([36]).
الفرع الرابع : أوامر الحكام
والدليل الرابع من دلائله أوامر الحكام وجواب هذا الدليل على النحو الآتي : إن معنى طاعة ولاة الأمر معنى مقيد بما هو طاعة لله تعالى أو بما هو من أمور الدنيا التي هي في إطار العفو ، وليس معنى هذا أن تكون أوامرهم مصدرا من مصادر التشريع كما زعم الترابي، وإن طاعتهم واتباعهم في أمور الاجتهاد الفقهي ممكن إذا ما كانوا أهلا له من العلماء، وقد نص الفقهاء على أن من شرط ولي الأمر أن يكون مجتهدا فآل الأمر إلى طاعة العلماء.
وكذلك إن ولاة الأمر المأمور بطاعتهم هم العلماء والأمراء ، فلماذا تكون طاعة العلماء (ولو فيما اتفقوا عليه) كهنوتية كاثوليكية، وتكون طاعة أفراد الحكام (ولو كانوا جهالا بالدين ) واجبة، ويعاب على الأصوليين عدم اعتمادهم إياها ([37]).
الخلاصة
الخلاصة أن الترابي لا يختلف في دعوته عن العصرانيين العلمانيين الذين أعلنوا رغبتهم في تجديد الدين، وأنهم هم أصحاب الفكر الديني المستنير، الذين يريدون أن ينتشلوا الأمة من كبوتها وتأخرها، فدعوا إلى تطوير الدين بهدم العلوم المعيارية أي: علم أصول التفسير وعلم أصول الفقه وعلم أصول الحديث، ورفض الاحتجاج بالسنة النبوية كليا بحجة عدم ملاءمتها لمصلحة الأمة وظروف العصر الحاضر، أو على الأقل رفض ما سموه سنة غير تشريعية وهي السنة التي تخص شؤون الحكم والسياسة وأمور الحياة والمجتمع عموما، وفتح باب الاجتهاد على مصراعية حيث يكون لكل مسلم نصيب منه، وزعموا أن حق الفقه في الإسلام أن يكون فقها شعبيا ، ودعوا إلى أن يكون للحكام أيضا حقهم في سن القوانين ووضع الشرائع . وخلاصة الخلاصة الدعوة إلى الخروج من أسر الشريعة وقيودها إلى بحبوحة القوانين الوضعية، وممارسة الحرية في ظل الديمقراطية.
[1]/ حسن الترابي، حقوقي تخرج من جامعة الخرطوم، وتحصل على الماجستير من لندن والدكتوراه من السوربون عام 1964م، وانتخب أمينا عاما لحزب المؤتمر الشعبي السوداني، وتقلد منصب وزير العدل والخارجية، له عدة مؤلفات في موضوع تجديد الدين، انظر المصالح المرسلة لمحمد بوركاب (526).
[2]/ انظر تجديد الفكر الإسلامي لجمال سلطان (62-63) وأسباب الخطأ في التفسير لطاهر محمود محمد يعقوب (2/788) وأصول الفقه نشأته وتطوره ومدارسه والدعوة إلى تجديده لشعبان محمد إسماعيل (91).
[3]/ فتاوى العقيدة للعثيمين (3/347).
[4]/ انظر التجديد والمجددون لعبد السلام بن محمد بن عبد الكريم (69).
[5]/ رواه أبو داود (4291) والحاكم (4/522) وصححه الحاكم والبيهقي والعراقي وابن حجر والسخاوي في المقاصد الحسنة (121) والمناوي في فيض القدير (2/365-366) والألباني في الصحيحة (599).
[6]/ مدارج السالكين لابن القيم (3/79).
[7]/ الصواعق المرسلة لابن القيم (2/400).
[8]/ تجديد الفكر الإسلامي للترابي (41).
[9]/ انظر أصول الفقه نشأته تطوره ومدارسه والدعوة إلى تجديده لشعبان محمد إسماعيل (99-101). وقال في (103):« ويمثل هذا الاتجاه أناس عرفوا بعداوتهم للإسلام وتحررهم من أحكامه أمثال: حسن حنفي وسعيد العشماوي في كتابه أصول التشريع وحسين أحمد أمين في كتابه دليل المسلم الحزين، وهؤلاء وأمثالهم كما قلت لا يمكن أن نطلق على منهجهم أنه تجديد لمنهج أصول الفقه بحال من الأحوال ».
[10]/ ويلاحظ أنه تجنب الكلام والقدح في السنة وفي النصوص الشرعية عموما، وإنما اكتفى بنقد عدم شمولية الفقه الذي هو ثمرة النظر في النصوص، وبنقد قواعد التفسير، ولأجل هذا التبست حقيقة دعوته على بعض الكتاب والدعاة والمفكرين.
[11]/ تجديد أصول الفقه الإسلامي للترابي (68).
[12]/ المرجع السابق (73).
[13]/ المرجع السابق (68).
[14]/ تجديد أصول الفقه الإسلامي للترابي (77-78).
[15]/ المرجع السابق (76).
[16]/ المرجع السابق (79-80).
[17]/ المرجع السابق (81).
[18]/ المرجع السابق (82).
[19]/ المرجع السابق (82).
[20]/ المرجع السابق (84).
[21]/ المرجع السابق (84).
[22]/ تجديد الفكر الإسلامي للترابي (45).
[23]/ تجديد أصول الفقه الإسلامي للترابي (88).
[24]/ المرجع السابق (89).
[25]/ المرجع السابق (87).
[26]/ تجديد الفكر الإسلامي للترابي (44).
[27]/ المرجع السابق (48).
[28]/ تجديد الفكر الإسلامي للترابي (40).
[29]/ الدين والتجديد للترابي (105).
[30]/ وتطور الشكل لا يعني تطور الأصول في حد ذاته قارن بالمصالح المرسلة لمحمد أحمد بوركاب (543).
[31]/ قال الترابي وهو يصور الإجماع عند الأصوليين :« وصورته أن يرجع عامة المسلمين إلى فقهائهم وقادتهم وأن يستفتوهم في أمر الدين، وأن يقترح عليهم أولئك القادة وجوها من وجوه التدين المتاحة، لكن هذه الاقتراحات ليست لها صفة الإلزام حتى إذا اختار منها المسلمون مذهبا أو رأيا معينا وأضفوا عليه بإجماعهم صفة الإلزام أصبح ذلك واجب الاتباع، وهكذا كان الفقه الإسلامي في عصره المزدهر » تجديد الفكر الإسلامي (46) فحقيقة الإجماع عنده أن يختلف الفقهاء ثم يجمع العوام على أحد أقوال الفقهاء، وقد نسي أن يخبرنا هل كان ذلك يتم عبر صناديق الاقتراع أم في الساحات العمومية؟ وهل كان يشارك في ذلك النساء والأطفال والمجانين أم لا ؟؟
[32]/ تجديد الفكر الإسلامي للترابي (56).
[33]/ تجديد أصول الفقه للترابي (82) كقيادة العربة وإدارة المكتب !!!.
[34]/ يقول عدنان محمد أمامة في مناقشة مفهوم القياس الواسع :« فعلى كلام الترابي هذا لا داعي للالتزام بقطع يد السارق وجلد شارب الخمر ورجم الزاني، لأن النصوص المتعلقة بهذه العقوبات وغيرها إنما تهدف إلى الردع والزجر ، فيمكننا استبدال هذه العقوبات بالسجن أو الغرامة أو غيرها مما يحقق مقاصد الشريعة، ولا داعي للالتزام بصور المعاملات المالية كما وردت بها الصور التفصيلية ، بل يكفينا أن نلحظ مقصد الشارع العام في باب المعاملات وهو رضى المتعاقدين ، ونستحدث ما شئنا من صور وأشكال ، بصرف النظر عن منع النصوص التفصيلية لها أو الإذن فيها ، وهكذا يتحول القياس الذي قصد منه بسط أحكام الشريعة على كل الحوادث والمستجدات إلى إلغاء الشريعة وإحلال القوانين الوضعية محلها وإلباسها لبوس الإسلام » التجديد في الفكر الإسلامي (460).
[35]/ وهو أمر كرره مرارا انظر تجديد الفكر الإسلامي للترابي (48).
[36]/ التجديد في الفكر الإسلامي للترابي (45) وهذا الانبهار قد صرح به كثير من العصرانيين كمحمد فتحي عثمان في كتابه الفكر الإسلامي والتطور(6) حيث جعل من مفهوم الإجماع في تصوره طريقا يكفل مشاركة غير العلماء في القضايا التشريعية، ومثله الغنوشي في كتابه الحريات العامة في الإسلام (121-125) الذي جزم فيه أن البرلمانات الديمقراطية هي الشورى الإسلامية، وأن الإجماع نوعان إجماع خاص في الأمور التشريعية وأهله هم العلماء والقادة وأصحاب السلطان، وإجماع عام في الأمور السياسية وأهله كل من هب ودب، انظر تجديد الفكر الإسلامي لعدنان أمامة (453-458).
[37]/ من النوادر التي حدثت أنه في الوقت الذي عرض الترابي مشروع قانون يحد به من صلاحيات الحاكم وصوت عليه البرلمان، أمر عمر البشير بحل البرلمان وسجن رئيسه الترابي، ومنه يتبين أن من نقائص بحوثه عدم تعرضه لباب التعارض والترجيح بين أدلته الجديدة.