الجمعة 16 ربيع الأول 1435

88-حكم من يسرق الكهرباء ويحتج بظلم الدولة

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

السؤال:

   السّلام عليكم ورحمة الله، أحسن الله إليكم شيخنا، هناك رجُلٌ يقومُ بإيقاف عدّاد الكهرباء في بيته، ويحتجّ على ذلك بأنّ الدّولة تأخذ منالمُواطِنين الضرائب، وتأكُلُ حقوق الشّعب فيرى أنّ هذا حقّه، بِمَ نرُدّ عليه؟ وما الأدِلّة التي نورِدُها له كي يقتنِع بالحق؟

 

88-حكم من يسرق الكهرباء ويحتج بظلم الدولة

الجواب:

   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن هذا العمل تحريمه بيّن، وما يحتج به مقترفوه من تزيين الشيطان، وهو حجة أكثر المختلسين في المؤسسات والإدارات، إذ هم يزعمون أن أجرتهم لا تساوي جهدهم فيتجرأون على السرقة والاختلاس واستغلال الوسائل العامة للمصالح الخاصة، ويستبيحون أخذ الرشاوى والهدايا ونحو ذلك، وتعليلهم مقارب لما ذكر في السؤال وهو لما أخذ منه حقه ظلما جاز له أن يأخذه بطرق غير مشروعة ولو كان فيها ظلم للآخرين، ومجرد شرح هذه الحجة يبين بطلانها عند كل ذي فطرة سليمة؛ ولكن نتنزل فنبين بعض الأدلة الشرعية على تحريم هذا الصنيع.

أولا : إن المؤسسة التي تختلس منها هذا المال هي مؤسسة الغاز والكهرباء وليست مصلحة الضرائب، فإذا كانت الضرائب غير مشروعة وهي ظلم وأنت خاضع لها بغير رضاك، فهل هذا يسوغ لك أن تسرق مال وجهد عمال مؤسسة الكهرباء، إذا سرقك جار فهل يسوغ لك أن تسرق جارا آخر؟ هذا هو الظلم بعينه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :" الظلم ظلمات يوم القيامة" متفق عليه.

ثانيا : لنفرض أنك أحد عمال هذه المؤسسة فهل كنت ترضى أن تسرق مؤسستك بهذه الطريقة، وأنت لعلك تعمل في مؤسسة عمومية –ملك للدولة- فهل ترضى أن يسرق المواطنون أموالها أو خدماتها بهذه الحجة، ولا يخفى أن كثيرا من المؤسسات العمومية أفلست فحُلَّت وأحيل عمالها على البطالة ، قال صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه، ويكره لأخيه كل ما يكره لنفسه.

ثالثا : لنفرض أن هذه الدولة التي تتحدث عنها هي جهاز واحد ومؤسسة واحدة منفصلة عن الشعب تماما، فهل يجوز للمرء أن يسرقها بحجة أنها تأخذ الضرائب، أو بحجة أن فيها من يختلس الأموال العامة؟ الجواب قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.

رابعا : لنفرض أن شخصا ما سرق مالك الذي كان في ملكك، فهل يشرع لك أن تسرقه منه ؟ ذهب جمهور العلماء أنه لا يجوز لك فعل ذلك، ومن حججهم أنه إذا اشتكاك أو قبض عليك فإنك ستصبح في نظر الناس والقضاء سارقا لا مسروقا وظالما لا مظلوما، وذهب آخرون إلى الجواز بشرط الأمن من هذه المفسدة، وحجة الفريقين في المنع والاشتراط قوله تعالى : (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة : 195].

   فهذا منع من أخذ حقه البين من مغتصبه سدا لذريعة الفساد وصيانة لعرضه، فمنعه في قضيتنا هذه أولى لأن حقه المزعوم لم يتعين له، ولا خلاف أن من قبض عليه وهو يعمل هذا العمل فقد عرض نفسه للعقاب والغرامة وعرضه أن ينال منه.

خامسا: قد حدثنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الحكام الظلام الذين يستأثرون بالخيرات دون رعيتهم، فقال:"ستكون بعدي أثره وأمور تنكرونها، قالوا ما تأمرنا؟ قال تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم" متفق عليه، قال العلماء في شرحه: أي تعطونهم الحق الواجب لهم عليكم من السمع والطاعة، وتسألون الله أن يوصل إليكم حقكم، بأن يلهمهم ذلك أو أن يسخر من يفعل ذلك لكم من بينهم، أو أن يولي عليكم من ينصفكم. فنص صلى الله عليه وسلم على الواجب في هذه الحال وهذا دليل على عدم مشروعية المنازعة في الأمر فضلا عن السرقة والاختلاس.

سادسا: من كان في قلبه الخوف من الله تعالى والورع من أن يطعم نفسه وولده الحرام ، ويحذر عاقبة ذلك في الدنيا والآخرة؛ فلا شك أنه يترك هذا العمل ويتعفف عنه، ويجعل نصب عينه قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت، وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به" رواه أحمد، وقوله:"والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس" رواه مسلم.

   وأما من يزعم أنه لا يجد حرجا في ذلك ويجاهر بفعله؛ فيذكر بقوله صلى الله عليه وسلم:"كل أمتي معافى إلا المجاهرين" متفق عليه، وبقوله:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري. والله الموفق والهادي السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.

تم قراءة المقال 12405 مرة