الأحد 26 ربيع الأول 1446

خواطر وتعليقات على الحلل السندسية في الأخبار التونسية

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

خواطر وتعليقات على الحلل السندسية في الأخبار التونسية
1-علاقة الفقهاء بالحكام
في (1/ 63-64) من مقدمة المحقق لكتاب الحلل السندسية في الأخبار التونسية قائمة بأسماء العلماء الذين تم إعدامهم في تونس من طرف الحكام العثمانيين وذلك في ما بين سنة 1084 و1117هـ (1673-1705م) أي في مدة 33 سنة، وعددهم ثمانية رحمهم الله، وثلاثة آخرون حكم عليهم بالموت لكن لم يتم تنفيذ الحكم فيهم، وهؤلاء العلماء فيهم الأتراك وفيهم التونسيون الأصليون .
 قرأت تلك القائمة وقلت: هذه أحكام القتل الصادرة في حق العلماء دون تتبع أحكام الحبس والنفي، وهذه الأحكام كانت لها أسبابها وسياقاتها وهي لا تعني أن الظلم والاضطهاد قد نال جميع العلماء، ولكن هذه صورة موجزة لمدة قصيرة في بقعة واحدة من أرض الإسلام الواسعة، وأقل ما تفيده تكذيب دعوى أطراف ذيول المستشرقين المدعين للحداثة؛ الذين يقدحون في الشريعة الإسلامية بزعم تحالف الحكام والعلماء ضد الشعوب وأن الفقه صنعه الفقهاء تقربا للحكام، وهو زعم يدل على جهل تام بمحتوى الفقه الاسلامي وجهل مطبق بالتاريخ الإسلامي أيضا، وقد كانت الدعوى قديما على لسان الذيول –فيما أحسب- خاصة بالفقه السياسي؛ فلما جاء أطراف الذيول أساؤوا فهم الرأي الخاطئ وعمموه إلى الفقه كله، وهذه التهمة في الحقيقة ناتجة عن محاولة استنساخ تاريخ أوروبا النصرانية واسقاطه على تاريخنا؛ مع سطحية متناهية في التفكير ومعيار النقد حيث كان دليل ثبوت التهمة إقرار النظام الملكي وما شابهه؛ وعدم تمثل المبادئ الديمقراطية في كتبهم.. وبعضهم ربما يستثني بعض الأعلام الذين نالهم الظلم نظرا لشهرتهم ليوهم الناس أنها نماذج شاذة معزولة في تاريخ الأمة الممتد في الزمان والمكان؛ فيحترز عن الاعتراض بهم ويجعل القارئ يتخيل أن الفقهاء كلهم كانوا من جملة خدم السلطان إلا أحمد بن حنبل وابن رشد وربما يضاف إليهم العز بن عبد السلام وابن تيمية.
   والمتصفح للتاريخ يجد الحكام الصالحين والذين هم دونهم؛ على أنهم جميعا خلطوا بين الصلاح وضده على تفاوت بينهم، والعبرة بما غلب، وفي الوقت الذي تكون لبعضهم علاقة حسنة مع علماء تكون له علاقة سيئة مع غيرهم، ولا رابط بين هذه العلاقات وبين الفقه الاسلامي السياسي فضلا عن غيره من حيث تأصيله ووضعه وقد يكون لها ارتباط بتنزيله وتطبيقه.
في سنة 1084هـ/ 1673 قُتل مصطفى برناز وابنه وهما تركيان
في 1088/ 1677 قُتل يوسف درغوث التركي وتوارى محمد فتاتة التونسي فنجى من القتل.
في 1106 / 1694 قُتل مصطفى بن عبد الكريم ونجا من القتل عالمان آخران وهما المفتى عبد الكبير درغوث وأبي الغيث البكري
في 1109/ 1697 قُتل حمودة بن محمد فتاتة
في 1110/ 1699 قُتل محمد العواني الشريف القيرواني
في 1117هـ/ 1705م قُتل أحمد بن محمد التونسي وعلي بن محمد الصمادحي.
2-التوازنات في تعينات حاكم تونس العثماني
جاء في مقدمة تحقيق الحلل السندسية ج1 ص 92 عن ولاية الباي العثماني حسين بن علي " واختار حسين خوجة صاحب بشائر أهل الإيمان لكتابته الخاصة إرضاء لعنصر الاتراك ، كما قرب الشيخ محمد سعادة ودعاه لتأليف كتاب قرة العين في فضائله في فضائله إرضاء للعنصر التونسي، ثم اختار الوزير السراج ليؤلف الحلل السندسية ..إرضاء للعنصر الأندلسي ".
 3-كيف نقرأ التراث وننقده
في ترجمة محمد بن محمد الأندلسي الوزير السراج التي وضعها محمد الحبيب الهيلة في مقدمة تحقيق للحلل السندسية في الأخبار التونسية لفت انتباهنا إلى قضية منهجية مهمة وهو يتحدث عن أدب السراج حيث قال (1/76) :"لكن رغم هذه العيوب التي عرضناها –حسب مقاييسنا العصرية- نجد السراج معدودا من بين أكابر شعراء عصره، نظرا إلى أن ما أنتجه من الشعر يخضع للقيم الذوقية والحدود الفنية الشائعة في ذلك العهد". وهذا التنبيه يعد قاعدة مهمة جدا لابد أن يضعها كل قارئ للتراث بقصد الاستفادة أو النقد نصب عينيه، فإن كل ما انتج من نصوص ومؤلفات وما أعمل من مناهج وطرائق في التأليف خاضع لبيئة المؤلف ومعايير عصره، ونحن عندما نريد تقييم انتاج فردي لعالم من الأعلام لابد أن نقارنه بما انتجه معاصروه أولا وفق معايير عصره، ثم في مرحلة ثانية نقارنه بما كان قبل عصره وبعده مباشرة ، فالتقييم الأول يوضح لك منزلته بين أقرانه وما تميز به عنهم والثاني يبين لك ماهي عناصر التقليد والتجديد في انتاجه وما كان فيه تابعا لمن سبقه وما خرج فيه عن المعهود في اتجاه ايجابي أو سلبي، وأما من يحكم معايير عصرنا على منتوج فرد أو عصر محاكمة مطلقة عن الزمن قد يقع في التحريف والتزييف كما يقع في الظلم أيضا.
فقد حكم المحقق على المترجم بأنه من أكابر شعراء عصره بمعايير عصره وأما بمعايير عصرنا أو معايير العصر العباسي كما أشار إلى ذلك في صفحة 66 فإنه قال ص 74 :"لا يعد أدبا رفيعا ".
ويسحب هذا المعنى على كل قراءة للتاريخ وأحداثه ومواقف صانعيه التي لابد ان تكون محفوفة بالنظر إلى الظروف السياسية المحيطة بالحدث والبيئة الاجتماعية التي صدر فيها وأعراف الناس ونحو ذلك، ومن لم يلتزم بذلك صدرت منه محاكمات مجحفة في حق الرجال وانتاجهم ومواقفهم وفي حق الأمم أيضا، وما أكثر هذه المحاكمات الجائرة في هذا الفضاء التي تصدر من قلوب غافلة أحيانا وقلوب حاقدة أحيانا أخرى.
4-هل في الصحابة بربر؟
وأنا أقرأ للوزير السراج (ت:1149هـ) صاحب الحلل السندسية تبين لي أنه مجرد ناقل ومرتب للمعلومات التاريخية وذلك من خلال توثيقه للنقول، والمقارنات والتصحيحات التي أثبتها المحقق، ومع ذلك ففكرة الكتاب جيدة إذ حاول أن يجمع كل ما يتعلق بتاريخ مدينة تونس وكذا المدن التابعة للقطر المسمى إفريقية في ذلك الوقت وهي دولة تونس الحالية كما حاول التوفيق بين التاريخ السياسي والتاريخ الثقافي حيث جمع بين تاريخ الدول والأمراء والملوك الذي حكموا تلك المدن وبين تراجم العلماء الذين سكنوها أو نسبوا إليها. ومما ازعجتني في كتابه هذا نقله لعبارات الإطراء الطويلة المسجوعة المتكلفة في حق بعض الأعلام، وروايته لبعض الخرافات غير المعقولة المنقولة عن المتصوفة، وحكايته لروايات مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم في فضل المغرب وإفريقية كحديث :"خير الأرض مغاربها" (1/221) وأحاديث :"ليأتين أناس من أمتي من إفريقية يوم القيامة وجوههم أفضل نورا من نور القمر ليلة البدر" ، و"بساحل قمونية باب من أبواب الجنة يقال له المنستير من دخله فبرحمة الله ومن خرج منه فبعفو الله " و"من رابط بالمنستير ثلاثة أيام وجبت له الجنة " (1/225-229) .
وهذه الموضوعات المفتريات قد نقلها من كتاب الفتن لنعيم بن حماد وطبقات علماء إفريقية لأبي العرب وهي كتب مسندة، وما أثار عجبي أكثر خبر رواه عن أحد شيوخه بلا إسناد فيه فجوة مدتها قرابة عشرة قرون كاملة وزيادة؛ مفاده وجود عشرة من الصحابة من البربر، قال رحمه الله :"حدثني شيخنا أبو العباس بُرناز قال أخبرني شيخنا سيدي أحمد المغربي في أيام قراءتي عليه في بلاد زواوة أن ببلاد المغرب مقبرة فيها عشرة من الصحابة بعثهم أهل المغرب رسلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلوا مسجده الشريف فلما وقفوا سألوا عنه صلى الله عليه وسلم بلسانهم :"آذا آمازان إيربي" وهي كلمة بربرية : فآذا معناه أين، وآمازان معناه رسول، وإيربي معناه ربي ، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :"آشكاب؟" معناه -والله أعلم- أي شيء تريدون؟ انتهى من خطه " (1/221) ثم ضبط الكلمات البربرية بالحروف تجنبا لتصحيفها. وحكاية الخبر لوحدها كفيلة لرده وتكذيبه، وقد كان جديرا به أن لا يدنس كتابه بمثل هذه الترهات.
5-روايات في أصل البربر أو بعض البربر
قال التجاني (هو عبد الله بن محمد صاحب الرحلة كان حيا سنة 717هـ) :"وأهل توزر من بقايا الروم الذين كانوا بإفريقية قبل الفتح الإسلامي، وكذلك أكثر بلاد الجريد لأنهم حين دخول الإسلام أسلموا على أموالهم ، وفيهم قوم من العرب الذين سكنوها بعد الافتتاح ، وفيهم أيضا من البربر الذين دخلوها من قديم الزمان عند خروجهم من بلادهم ؛ فإن بلاد البربر إنما كانت فلسطين وما وجاورها من بلاد الشام ، وكان ملكهم جالوت المذكور في القرآن الكريم ، فلما قتله داود عليه السلام تفرقوا في البلاد وتوجه أكثرهم إلى إفريقية وبلاد المغرب ، وكانت أفريقية للروم فأجلتهم البرابر إلى جزائر البحر كصقلية وغيرها ، ثم تراجعت الروم إلى بلادها على موادعة وصلح مع البربر فاختارت البربر سكنى الجبال والرمال وأطراف البلاد وصارت الروم إلى البلدان والعمائر، حتى جاء الإسلام وافتتحت البلاد ففر جميع من فيها إلا من أسلم أو أدى الجزية كأهل الجريد هؤلاء". عن الحلل السندسية 1/ 378 .
وكان نقل قبل هذا عن محمد الإدريسي (صاحب نزهة المشتاق المتوفى سنة 560هـ) قوله عن أصل نفزاوة :"ومن ولد نفزاو هذا جالوت الذي قتله داود عليه السلام ، واسم جالوت ضريس بن الأصغر بن نفزاو ، ومن نفزاو تفرعت زناتة كلها ، وهم في الأصل عرب ، وإنما تبربروا بمجاورتهم للبربر من المصاميد ومخالطتهم لهم " . الحلل السندسية 1/ 367
6-كتابة قيل إنها ترجع إلى ما قبل الطوفان
قال السراج (1/ 506) :"ومن بلاد افريقية شقبنارية وهي المعبر عنها في زماننا بالكاف قال ابن الشباط (محمد بن علي التّوزري ت 681 هـ- 1282 م) وهي مدينة أولية من بناء الأوائل وهي سند جبل وبها عين ما يتفجر من صخر وينبعث إلى صهريج من صخر محكم البناء وبها آثار من بناء الأول عجيبة ، وباب المدينة عليه سطر مكتوب بالقلم الأول لا يدري ما هو ، وهذا القلم مكتوب به في تبسة وصومعة القصرين –وهي صومعة الراهب- مكتتبة من جميع جهاتها وغيرها. قال ابن الشباط : وأخبرني بعض علماء بلدنا أن ذلك القلم كان قبل الطوفان –والله أعلم- ".
هل من أخبار عن علماء الآثار عن هذه الكتابات المذكورة ؟؟
7-الملك دقيوس
قال السراج في الحلل السندسية (1/ 420) نقلا عن ابن الشباط في صلة السمط وهو يتحدث عن مدن الجريد:"وأما تقيوس فتحتها مدن بها بقايا قصر مبني بالصخر المنحوت حوله نهر ، ويقال إنه كان قصر ملك، وبعض أهلها يقول إنها سميت باسم ملكها دقيوس ، وكانت خيله تغير على سبيطلة فبنى صاحب سبيطلة مدينة قفصة وشحنها بالخيل والرجال والعدة ليمنع غارة دقيوس ولذلك بناها بين الجبلين اللذين يسلك منهما إلى نواحي سبيطلة وإفريقية ".
قال الأبي كما في الحلل السندسية 1/ 561
وإني لبار في قسمي هذا فلقد كنت أقيد من زوائد إلقائه، وفوائد إبدائه ، على الدول الخمس التي تقرأ بمجلسه من التفسير والحديث والدول الثلاث التي في التهذيب نحو الورقتين في كل يوم مما ليس في الكتب –قدس الله تعالى روحه- وشاهد ذلك ما اشتملت عليه تآليفه ، وناهيك بمختصره في الفقه الذي ما وضع في الإسلام مثله، لضبطه فيه المذهب مع الزيادة المكملة ، والتنبيه على المواضع المشكلة وتعريف الحقائق الشرعية .انتهى ما نقلهابن باديس عن الأبي.
في 1/ 563
وكان في زمنه رحمه الله من تلامذته الشيخ الأبي قدم التراويح ليلة قبل العشاء ليجتمع به تلك الليلة فلما انفصل عن صلاة التراويح لقيه فقال له الإمام من نوبت ؟ وكان الأبي إماما بجامع الهواء- فقال له قدمتها ، فقال له كنت أظنك أورع من هذا وكنت أظن أني إذا مت أخلف من يؤخذ العلم بعدي.
عبد الرحمن المجدولي التونسي 1/ 650 قال زروق كان ينقل عن الأبي أنه كان يقول ما في الكلام أشكل من ثلاث مسائل مسألة كلامه تعالى والقدرة الاكتسابية والرؤية فينبغي اعتقاد الخير فيها وترك ما سواه  .
8-المكر والمكر المضاد
لما توفي الداي يوسف سنة 1047هـ -1636م بويع بولاية تونس خلفه اسطا مراد باتفاق قادة العسكر وفي مقدمتهم كبيرهم مامي، وهذا الأخير كان يرى نفسه أنه أحق بالملك من اسطا مراد ، لكنه خشي أن لا يحظى باتفاق العسكر على تقديمه لأنه كان من قبل مملوكا للداي يوسف؛ والترك ربما يأبون تقديمه على أنفسهم، فرشح اسطا مراد وقدمه –وكان أصله مملوكا أيضا - ليمتحن به الخواطر فإن رضي به القوم نظر بعد ذلك كيف يسعى إلى خلعه ويتولى هو بعده، فيكون كمن فتح بابا بيد غيره، أو كمن اختبر السم بلسان غيره...وقيل إن مولاه أحمد ابن الداي يوسف المتوفي كان يتمنى الولاية خلفا لأبيه إلا أن صغر سنه منعه من إظهار نيته فوعده مملوكه كبير الجند بتدبير الأمر بعد تولية اسطا مراد.
لكن اسطا مراد بعد بيعته واستقرار ملكه سرعان شم رائحة ما قصده مامي؛ فعاجله بالنفي إلى بلد زغوان ثم قُتل هناك، ثم نفى أحمد بن يوسف إلى الجزائر.
بتصرف من الحلل السندسية في الأخبار التونسية (2/ 375-376)
9-نسب غريب للمعز بن باديس الصنهاجي
في الحلل السندسية في الأخبار التونسية (2/70) نقل لنسب المعز بن باديس عن عماد الدين الكاتب محمد بن محمد الأصبهاني صاحب الخريدة (المتوفى: 597هـ) بواسطة ابن خلكان ، وقد وجدته بتمامه في كتابه خريدة القصر وجريدة العصر (17/ 141-142) في ترجمة تميم بن المعز بن باديس (ت:501هـ) وقد ساق نسبه إلى قحطان ثم إلى سام ثم آدم عليه السلام . وهو لم يبين مصدره في وصل سلسلة النسب، ولكنه صرح بأخذ ديوان أشعار تميم من حفيده عبد العزيز بن شداد بن تميم بدمشق فلا يبعد أن يكون أخذها منه.
قال الأصبهاني:" تميم بن المعز بن باديس بن منصور بن بُلكّين بن زيري بن مَناد بن منقوش بن زناك [بن زيد الأصغر بن واشفال بن وزغفي بن سري بن وتلكي بن سليمان بن الحارث بن عدي الأصغر- وهو المثنى- بن المسور] بن يحصب بن مالك بن زيد بن الغوث الأصغر بن سعد -وهو عبد الله- بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن شداد بن زرعة -وهو حمير الأصغر- بن سبأ الأصغر بن كعب بن زيد بن سهل بن عمر بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن [بن عوف] بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع [بن عمرو] بن حمير -وهو العرنجج- بن سبأ الأكبر بن يشجب بن يعرب بن قحطان..".
وهذا النسب يحتاج إلى توثق ما بين زناك أو صناك (كما في تاريخ ابن خلدون) ويحصب بن مالك.
وقد نقل ابن خلدون عن أحد مؤرخي الأندلس النسب بأقصر من هذا ومختلفا عنه على هذا النحو (6/ 203) "مناد بن منقوش بن صنهاج الأصغر، وهو صناك بن واسفاق بن جريل بن يزيد بن واسلي بن سمليل بن جعفر بن إلياس بن عثمان بن سكاد بن ملكان بن كرت بن صنهاج الأكبر"اهـ.
وعلى كل فإن نسبة بربر صنهاجة وكتامة إلى حِمْير من العرب القحطانية مشهورة في كتب التاريخ والتراجم ، وإن كان ابن خلدون يرجح غير هذا اعتبارا لقول البربر لأنهم أعرف بأنسابهم حيث قال (1/16) :"ذهب الطّبريّ والجرجانيّ والمسعوديّ وابن الكلبيّ والبيليّ إلى أنّ صنهاجة وكتامة من حمير وتأباه نسابة البربر وهو الصّحيح "اهـ. ونقل عنهم (1/12) أنهم أبناء مازيغ بن كنعان، بمعنى أن أصلهم شامي لا يمني.
ومن الآراء أن بعض البربر ورد من اليمن والبعض من الشام جمعا بين الأقوال ومن أقدم من ذكر معنى هذا القول محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي، بالولاء، أبو جعفر البغدادي (المتوفى: 245هـ) صاحب المحبر إذ يقول في (ص: 365) :"ثم ملك (إفريقس) بن قيس بن صيفي بن سبأ بن كعب ابن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس ابن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن الهميسع بن حمير. وبه سميت/ إفريقية. وبلغ طنجة. ونقل إليها البربر، وكانت منازلهم بفلسطين"اهـ.
وافريقس هذا هو الذي تنسب إليه تسمية افريقية .
ومهما يكن فإن قول ابن باديس الصنهاجي (شعب الجزائر مسلم    وإلى العروبة ينتسب) متفق مع المعاني التي ذكرها مؤرخوا العرب والبربر.
10-من أخبار الأوبئة
في كتاب الحلل السندسية في الأخبار التونسية للوزير السراج ذكر لوقوع أوبئة كثيرة في أزمنة مختلفة مات في بعضها أعيان وعلماء مشهورون مثل الفقيه ابن عبد السلام التونسي، ومنها ما بالغ المؤلف في تعظيم الموت فيه تعظيما شديدا، ولم اهتم بتدوينها حتى وصلت إلى الوباء الذي ذكره في ج2 ص 457 فوجدته ألمح إلى طول مدته واتساع مقدار مساحته فطويت الصفحة لأرجع إليها، وقد قال فيها :"وفي أثناء ذلك كان الوباء ومبدؤه سنة ست وثمانين وألف [1086ه/1675-1676] وانتهى سنة سبع وثمانين وألف [1087هـ/1676-1677] وذكر بعض من مات فيه من الأعيان، وفي الصفحة بعدها أفادنا بأن الوباء امتد في المكان أيضا ووصل إلى الجزائر -العاصمة- حيث قال :"ومن هناك توجه أحمد بن يوسف داي إلى ناحية الجزائر فمات بها بالطاعون المذكور لأنه انتشر في غالب الأوطان".
في ج 2 ص 555 خبر عن وقوع طاعون آخر بتونس في سنة 1100 ذكر المؤلف أنه عم الشمال الافريقي كله وأنه دام ثمانية أشهر، والأهم من ذلك أنه أشار إلى أن عدد الموتى كان تصاعديا حيث فاق عددهم أيام الذروة في تونس وحدها التسعمائة قتيل يوميا ، وهذا نصه :"وفي شهر ربيع الأول سنة مائة وألف [1100هـ/جانفي 1689] وقع الطاعون بل كان الفناء لولا أن الله تدارك العباد بلطفه الخفي ، وقد بلغ في اليوم الواحد وقت نهايته إلى تسعمائة رقبة وأزيد ، ودام ثمانية أشهر ثم ارتفع، وكان جملة من مات بتونس ستين ألفا ونيفا والله أعلم" ، وقال في الصفحة بعدها :"وكان الطاعون منتشرا في البلاد كلها عم تونس والجزائر وطرابلس".
11-تابع لأخبار الطواعين
ذكرنا فيما مضى أن الشمال الافريقي أصيب بطاعون عام 1086ه/1675 ودام سنة كاملة، وأصيب بآخر سنة 1100ه/ 1689م ودام ثمانية أشهر ، وبلغ عدد القتلى أيام الذروة إلى 900 قتيل في مدينة تونس وحدها ..وقد ذكر صاحب الحلل السندسية طاعونا ثالثا وقع في 1116ه/ ديسمبر 1704 واستمر 6 أشهر وبلغ عدد القتلى أيام الذروة 700 قتيل في مدينة تونس ، قال السراج (2/ 701):"بلغ في اليوم الواحد نحو سبعمائة جنازة بحيث أنهم أحصوا ما تجمع من جنائز في ستة أشهر فكان أربعين ألفا ، ثم إن الله لطف بعباده" ..ولم يشر صاحب هذا التاريخ إلى تعطيل شيء من مصالح الناس الدنيوية أو الدينية بل كانت جيوش تونس محتمعة تحركت لغزو طرابلس وحاصرتها ثم تراجعت لما سمعت بجيوش الجزائر تقترب من حدودها والطاعون ينخر فيها نخرا، وقد وصف لنا الوزير السراج جنازة عالم من العلماء توفي في هذا الطاعون هو محمد بن المحجوب الحنفي(ت1117هـ/1705) فقال :"وصار له يوم دفنه المشهد العظيم وسار الباشا في جنازته راجلا ورفع سريره على كاهله تبركا" يعنى أن الجنازة حضرها الجماهير ولم يتخلف الحاكم عنها بل وحرص على حمل الميت الموضوع على سرير لا داخل صندوق.
12-كما تدين تدان
قال الوزير السراج في الحلل السندسية (2/ 486):"موعظة للمغتر بمساعدة الليالي ولم يغرس بطاحها دوحة المعروف؛ وذلك أن آق محمد الذي كان دايا بطرابلس نادى مناديه يوما بمدينة طرابلس أن كل من يقيم بها من التونسيين للعصر يأكله الحديد، وخرج التونسيون في حالة يعلمها الله ؛ فما انقضت مدة يسيرة إلا والمقادير القاهرة ساقت آق محمد الداي المذكور منفيا إلى سوسة ، وفتح دكانا واشتغل بصنع الحديد"اهـ.
وفوق العباد جميعا رب قهرهم بمقاديره
13-استراحة مع لون طريف من ألوان التعزير
فقد رجل صرة بها مصوغ ذهب زنته قدر مئة ريال ومعه عشرة دنانير شريفية ، فجعل الرجل مناديا ينادي في الناس أن من وجدها فله الدنانير العشرة التي بها ، فكان من قدر الله أن وجدها رجل يخشى الله تعالى فأوصلها إليه، لكن لما وقت الصرة في يد صاحبها وفتحها ادعى أنه كان بها عشرون دينارا شريفيا ليحرم الملتقط من الجعل الموعود به ، فتشاجرا وتحاكما إلى محمد باي فذكر كل واحد منهما حجته حسبما ذكرنا ، وبعدما سمع منهما جميعا حكم بالصرة بجميع محتواها الذهب المصوغ والدنانير للملتقط وقال:" خذها ولا تخف"، وقال لصاحبها -وهو يعلم أنه صاحبها-:" إن هذه الصرة غير الصرة التي ضاعت منك فواصل البحث عن صرتك "..
انتهى بتصرف من الحلل السندسية (2/ 561)
14-تنصيب القضاة وعزلهم ونقلهم
قال الشيخ أبو محمد عبد الواحد الزياني : أخبرني من أثق به أن عادة ملوك الموحدين قبل بتونس لا يولون القضاة أكثر من عامين، وأيضا فإنهم يرون أن القاضي إذا طالت به مدة قضائه اتخذ الأصحاب والإخوان ، وإذا كان بمظنة العزل لم يغتر، وأيضا فإن الحال إذا كانت هكذا ظهرت مخائل المعرفة بين الأقران وكثر فيهم القضاة بتدريبهم على الوقائع ؛ بخلاف ما إذا استبد الواحد بعمل فإنه لا يقع بينهم التناصف ولا يصل لمن يلي بعده النفوذ بوظيفة ما قدم لها إلا بعد حين ، وتنطمس قلوب الطلبة لإياسهم من الولاية إلا بعد مشقة ".
الحلل السندسية (2/ 161)
15-تاريخ ترسيم الحدود الجزائرية التونسية
في رمضان 1037هـ / ماي 1628م وقع نزاع بين الجزائر وتونس حول الحدود فتم الاتفاق "على أن الحدادة بين العمالتين المذكورتين وادي سيراط فما كان من غربيه فهو من عمالة الجزائر وما كان من شرقي الوادي فهو لعمالة تونس".
وقد تم التحاكم إلى وثائق صلح قديم يرجع إلى سنة 1023هـ/ 1614م تنص "أن الحد الفاصل من ناحية القبلة وادي ملاق والأحيرش وقلوب الثيران إلى رأس جبل الحفا إلى البحر كما جرت به العادة السابقة".
كذا في الحلل السندسية للوزير السراج 2/361-364
16-أغرب مشروع وحدة أو أغرب قمار
جاء في الحلل السندسية (2/ 163) من أخبار الدولة الحفصية في الشمال الافريقي في عهد حاكم تونس محمد المعروف بأبي عصيدة في سنة 709 هـ/1308م :"وكان وقع بين أبي عصيدة وبين الأمير أبي البقاء خالد صاحب قسنطينة وبجاية على أن من مات قبل صاحبه أخذ صاحبه بلاده ، فلما مرض أبو عبد الله محمد وسمع به خالد تحرك من أجل ذلك إلى تونس "...
لكن أهل تونس رفضوا تطبيق الاتفاق وبايعوا غيره بعد وفاة أبي عصيدة، ولم يتمكن من السيطرة على تونس إلا بعد 17 يوما من القتال.
17-مما قد لا تجده في كتب السياسة
كان حاكم تونس العثماني محمد باي قد مدحت سيرته ورضيت أحكامه؛ لكن أحد قادته كان يحتال على الرعية في الجباية إذا قبض منهم المال، حيث كانت الأوقية التي يضع في كفة ميزانه ليقبض بها زائدة بنحو ثمن الوزن، فكان يأخذ ذلك الزائد لنفسه ولا يورده إلى بيت المال، فتذمرت الرعية من صنيعه هذا، وانتدبوا من رفع أمره إلى محمد باي؛ فلما سمع منهم شكواهم وذكرهم لقائده سارع إلى نهرهم وتوبيخهم، وأظهر لهم رفضه لتظلمهم وقال لهم : "إني لا اعتقد صحة ما ذكرتم في حق هذا القائد وإنما هذا زور وبهتان". فانصرفوا خائبين، ولكنه بعد انصرافهم أرسل خلف القائد المشار إليه من أتى به، فأخذه على حين غرة، فلما امتحن معيار ميزانه وجده كما ادعى من رفع الشكوى، فأصدر فيه حكما قاسيا جزاء صنيعه ليجعله عبرة لغيره، وأمر بأن يحمى المعيار الذي كان يزن به؛ فيكوى به من أعلى رأسه إلى أسفل قدميه.
.....
ولعلك تتساءل في سبب نهره للمشتكين والتظاهر برفض دعواهم وتستغرب ذلك؛ والواقع أنه لا غرابة في صنيعه؛ فإن هؤلاء المشتكين رفعوا دعوى من غير أن يقيموا عليها بينة قاطعة وإنما هي شهادة يمكن أن تعارض بمثلها، ومن واجب الحاكم أن لا يميل إلى طرف حتى يتبين ويسمع من الجميع.
فإن قلت كان يسعه أن يسجل أقوالهم إلى حين التبين دون تكذيبهم ونهرهم. قيل : لعله لم ير من الحكمة أن يفعل ذلك من وجهين ، الأول: حتى لا يظن الناس أنه يولي من لا خبرة له بأمانته؛ حيث تطرق إليه الشك من أول شكاية وردت إليه.
والثاني -وهو الأهم- أنه لو أبان لهم قبول شكواهم وأنه سيتبين من دعواهم في حق هذا القائد؛ لربما كان سريان خبر عزم الحاكم أسرع إلى من فعله؛ فيجد القائد الخائن فسحة من الزمان لتغيير المعيار الذي كان يزن به أموال الناس فتبطل الحجة الدامغة عليه، وربما يختار الفرار بنفسه والتواري فتتعذر معاقبته.
انظر أصل الخبر في الحلل السندسية 2/ 562
18-من مآثر سلاطين عصور الانحطاط تشييد الجوامع والتطاول في الصوامع
جاء في الحلل السندسية في الأخبار التونسية 2/ 428 :"وكان لحمودة باشا مآثر جميلة منها بناؤه الجامع الذي بإزاء الأستاذ سيدي أحمد بن عروس ، وانفرد جامعه بصومعة ما سمعت بأحد ممن لاج أقطار الأرض يقول رأيت مثيلها ..
ولكنها والحمد لله أرانا الله تعالى نظيرتها بجامع صاحب الدولة التي لا نظير له أمير عصرنا هذا دام علاه ". (يقصد الباي حسين بن علي)
وفي 2/ 562 أن محمد باي بنى مسجدا بصومعة ترى عن بعد 15 ميلا ..
(وإذا اعتبرنا الميل 4000 ذراع فهذه الصومعة ترى من بعد 28.8 كم)

      

تم قراءة المقال 129 مرة