الدين دين الله تعالى الحكيم الخبير والمنهج منهج النبي البشير النذير، من اتبع الهدي وسار على النهج لم تختلط عليه الوسائل بالغايات، ولم يجهل أن في دين الله أولويات، تقريرها في السنة الصحيحة ومحكم الآيات، وليس في دين الله شيء أظهر من غايته، التي هي أمر الخلق بعبادته، ونهيهم عن الشرك والإلحاد في أسمائه وصفاته، قال ابن القيم رحمه الله تعالى:" التوحيد أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله تعالى، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [الأعراف/59] وقال هود لقومه اعبدوا الله مالكم من إله غيره، وقال صالح لقومه اعبدوا الله مالكم من إله غيره، وقال شعيب لقومه اعبدوا الله مالكم من إله غيره، وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل/36] فالتوحيد مفتاح دعوة الرسل .."، إنها حقيقة لا ينبغي أن تجهل، ولا يجوز أن تنسينا فيها مصاعب الطريق فتهمل، أيها المسلم المنتمي إلى خير أمة قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات/56] فغاية خلقك أن تعبده؛ فيجب عليك أن تعبده وأن لا تعبد سواه، لأنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وقد ذكر العلماء أن أول واجب على المكلف هو معرفة التوحيد والعمل بمقتضاه، لأنه من دون ذلك فلا طمع في الجنة أو النجاة.
إن أحب شيء إلى الله التوحيد ولاشيء أبغض إليه من الشرك، وقد بين لنا الرب تعالى أن الناس في هذا الأمر مستوون وإنما يتفاضلون بعده، فقال عن أنبيائه: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام/88]. هذا خبر في حق الأنبياء خير الناس وأكثرهم طاعة وعبادة وحسنات، لا يشفع لهم شيء إذا وقعوا في الشرك ولا محاباة، أيها المسلم لا تظنن أن قيامك بأي عبادة ينفعك عند الله إذا لم تسلم من الشرك وتحقق التوحيد.
أيها المسلم إن الدعوة وظيفة الأنبياء وإنما من بعدهم بمثابة الخلفاء، ولقد كان التوحيد عنوان مهمتهم فعلينا أن لا ننحرف عن سيرتهم، وإن للدعوة أولويات ولا أحد أعلم بها من نبينا عليه أفضل الصلوات، ولقد قال لمعاذ لما أرسله إلى اليمن :" فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله" (متفق عليه)، والداعي معلم ومرشد للناس إلى سبيل النجاة في الآخرة قبل الدنيا، فما الدنيا إلا قنطرة ومسافة ما أسرع انقطاعها ومدة زمنية ما أسرع انقضاءها. أيها المسلمون كلكم سائر إلى الله تعالى فلا تتخطوا أول منازل الطريق، وكلكم إن شاء الله دعاة إلى الله تعالى فلا تنسوا مفتاح الدعوة عنوانها.