قيم الموضوع
(1 تصويت)

العجب أصل الهلاك

   إن من أعظم المشكلات التي يواجهها أهل الإصلاح في هذا الزمن أدواؤهم التي هي من نفوسهم لا من عدوهم، هذه الأدواء التي تعتبر هي السبب الأول لفشلهم وعدم نجاح دعوتهم وانحرافهم عن خط الإصلاح الصحيح الذي رسمه نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن هذه الدواء داء العجب بالنفس وبالاستئثار بالرأي والاحتقار المطلق والمسبق للمخالف، وعند بعضهم يوجد ما يسمى بعقدة الاستعلاء الحزبي التي تجعل كل ما يصدر من جهة ما أمرا محترما ومقدسا وله وجهه بينما تجعل كل ما يأتي من الجهات الأخرى خطأ وضلالا ورأيا لا عبرة به لا ينبغي سماعه ولا حتى النظر فيه لرده.

 

العجب أصل الهلاك

 

   ومثل هذا السلوك من غير شك من الأمور التي عمقت هوة الخلاف بين مبتغي الإصلاح وفتحت المجال للمتربصين بهم من شياطين الإنس والجن ليكيدوا لهم وليجروهم إلى ميادين عراك كانوا في غنى تام عنها، وإن العجب والاغترار بالحال من أمراض القلوب التي ينبغي أن يتنزه عنها الصالحون فضلا عمن يريد إصلاح غيره من الناس، وإنه ليس مرضا فحسب بل هو مقدمة تجر إلى أمراض أخرى كل واحد منها يعد واحدا من أكبر المهالك للنفوس والجماعات.

   ومن ذلك أنه يقود إلى تزكية النفس واعتقاد كمالها فيظن صاحبها أنه كامل لا نقص فيه وأنه غني عمن يصوبه ولا يحتاج إلى من ينصحه، ومن ذلك أنه يمكن للكبر من القلوب بحيث يظهر احتقار المؤمنين بالأقوال والأفعال ويتجلى رد الحق والإصرار على الباطل والتمادي في الطرق التي كشف القرآن والزمان عن اعوجاجها وعدم إيصالها، وأشنع من كل هذا ما يحدث من بعض الناس هداهم الله فإنهم من جراء إعجابهم بآرائهم وتزكيتهم لأنفسهم واحتقارهم لكل من خالفهم ولم ينتمي إلى فئتهم أو رمزهم أصبحوا يستبيحون ما حرمه الشرع فبالغ في تعظيمه دماؤهم وأعراضهم وأموالهم.

    وقد جمع لنا العلامة ابن باديس رحمه الله هذه الآثار السيئة في كلمة موجزة فقال:« إذا أعجب المرء بنفسه عمي عن نقائصها فلا يسعى في إزالتها، ولها عن الفضائل فلا يسعى في اكتسابها فعاش ولا أخلاق له، مصدرا لكل شر بعيدا عن كل خير، ومن العجب بالنفس ينشأ الكبر على الناس والاحتقار لهم ومن احتقر الناس لم ير لهم حقا ، ولم يعتقد لهم حرمة ولم يراقب فيهم إلا ولا ذمة ، وكان عليهم –مثل ما كان على نفسه – أظلم الظالمين»، ومن قلب الناظر في واقعه مهما كان موقعه وانتماؤه لا شك أنه يرى هذه الآثار المهلكة، ولكن قد لا يتنبه إلى أسبابها ومنابعها وهذا الذي ذكرنا ما هو إلا واحد من أسباب الشقاق والفراق وسوء الأخلاق التي تملأ الساحات الدعوية، فإذا أردنا أن نصل إلى الخير والصلاح فمن الأمور التي علينا أن نوطن عليها أنفسنا التواضع للحق إذا تبين مهما كان مصدره، واحترام أهل الفضل والإيمان وعدم احتقارهم، واعتقاد حرمة المؤمنين مهما كانت فئتهم أو جنسيتهم، وإنما يتفاضل المؤمنون بالإيمان والعلم وبما ظهر من الطاعات والالتزام بشريعة الله لا بشيء آخر، وفوق كل ذلك علينا أن نبتعد عن تزكية النفس بالحال أو المقال وأن نتأمل مثل قول الله تعالى في أهل الصلاح والإيمان : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (المؤمنون:60)، وأن تستحضر تلك الآثار السلفية التي تجلي لنا مقدار خوف المؤمنين حقا من النفاق وعدم قبول الأعمال الصالحة كقول إبراهيم التيمي:" ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا"، وقول ابن أبي مليكة:" أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه".

 

تم قراءة المقال 4092 مرة