الاثنين 28 محرم 1432

(14) الوسائل المعينة على التربية: استقرار البيت (الجزء الثاني)

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

سادسا: حفظ الأسرار الزوجية

    من الأخلاق المطلوبة في التعامل بين الزوجين حفظ الأسرار وكتمان العيوب، خاصة من جانب المرأة التي من طبعها حب نقل الأخبار والإكثار من الشكوى إلى أهلها وصديقاتها، ولا شك أن هذه الأمور كثيرا ما تعمق من الخلافات بين الزوجين وتفقد الثقة بينهما، وتكون سببا في نشوء البغضاء والشحناء، لأن غالب من يسمع بخلاف بين زوجين مهما كان أمره يسيرا تجده يتدخل بالتحريش والنميمة والإشاعة مع تضخيم الأمور، وقل في الناس -وإن كان من الأقارب- من يتدخل من أجل الإصلاح.

 

(14) الوسائل المعينة على التربية: استقرار البيت (الجزء الثاني)

 

سابعا: المعاشرة بالمعروف

   والمعاشرة بالمعروف من الحقوق المشتركة بين الزوجين من أسباب الألفة ودوام المودة، ويدخل فيها معاني كثيرة منها ما سبق، ومنها عدم تضييع حقوقها المادية والمعنوية كالبشاشة وإلانة الكلام معها وحسن الاستماع إليها، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء:19):« أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيآتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف) (البقرة:228). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»([1])، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر يداعب أهله ويتلطف بهم ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يتودد إليها بذلك»([2]).

ثامنا : الحرص على تقوية الرابطة بين الزوجين

    فعلى الزوج أن يؤنس زوجته بالحديث معها والتبسط إليها وهي كذلك، وفي حديث جابر: «فَهَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا وَتُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا»([3])، وقد بوب البخاري لحديث أم زرع المشهور بقوله باب السمر مع الأهل، وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس إلى عائشة يتسمع إليها وهي تحدثه عن قصة وقعت في الجاهلية حيث اجتمع نسوة كل واحدة منهن تتحدث عن زوجها، فلما انتهت من خبرهن قَالَ لها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ »([4]). ومن خصال أبي زرع أنه كان ينفق على زوجته ولا يشح عليها، ويطعمها ويحليها ولا يحزنها ويعظمها، ويثني عليها بالكلمات المؤثرة ويسمع قولها ويحترم رأيها.

خصال أبي زرع

1-تحليتها (قَالَتْ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ فَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ) يقال منه : ناس ينوس نوسا, وأناسه غيره أناسة, ومعناه حلاني قرطة وشنوفا فهو تنوس أي تتحرك لكثرتها.

2-إطعامها (عدم إحزانها) (وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ) معناه أسمنني , وملأ بدني شحما.

3-تعظيمها والثناء عليها بالكلمات المؤثرة (وَبَجَّحَنِي فَبَجَحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي) معناه فرحني ففرحت , وقيل وعظمني فعظمت عند نفسي يقال : فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر.

4-الإنفاق وعدم الشح:(وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ) تصغير الغنم (شق) ضيق عيش, والصهيل أصوات الخيل, والأطيط أصوات الإبل وحنينها, والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم, وإنما يعتدون بأهل الخيل والإبل. وقولها:(ودائس ومُنَقّ) هو الذي يدوس الزرع في بيدره وينقيه.

5-احترام قولها (فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ) معناه لا يقبح قولي فيرد , بل يقبل مني .

6-توفير الخدم لها (وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ  ) أنام الصبحة , وهي بعد الصباح , أي أنها مكفية بمن يخدمها فتنام . (فأتقنح) وقيل (فأتقمح). أروي حتى أدع الشراب من الشدة الري.

تاسعا : طاعة الزوجة للزوج عبادة

   من آكد قواعد التعامل بين الزوجين طاعة الزوجة للزوج طاعة مطلقة إلا في مخالفة الشرع، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع أحاديث كثيرة تدل على عظم هذا الحق على الزوجة، نذكر منها حديث حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا فَقَالَ لَهَا أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَأَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ قَالَتْ مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ قَالَ:« انْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ»([5])، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ»([6]). وقال النبي صلى الله عليه وسلم :« لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا»([7]).

    وقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ:« الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ »([8]).

   وطاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين باتفاق العلماء، قال ابن تيمية:« فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة». وقال قبلها:« فإن كل طاعة كانت للأبوين انتقلت إلى الزوج، ولم يبق للأبوين عليها طاعة، تلك وجبت بالأرحام، وهذه وجبت بالعهود »([9]).

عاشرا : تحكيم الكتاب والسنة

   ومن قواعد التعامل بين الزوجين مراقبة الله تعالى في القول والعمل والسر والعلن، وذلك من أسباب السعادة والوفاق والاستقرار، إذ من أرضى الله تعالى رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله تعالى سخط عليه وأسخط عليه الناس، والسبيل إلى هذه الحياة السعيدة المستقرة سبيل ميسور سلوكه ليس مقطوعا ولا ممنوعا، يقول الإمام أحمد رحمه الله :« أقامت أم صالح معي عشرين سنة فما اختلفت أنا وهي في كلمة»([10]). ولِِمَ يختلفان إذا كان مرجعهما والحكم بينهما كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! المراد أن سبيل تحقيق هذا الاستقرار هو أن يتوصل الرجل إلى أن يجعل أحكام الله تعالى مهيمنة في بيته على الأهواء والعوائد والطبائع، وأن يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة متبعا، أما إذا كان حظ كتاب الله تعالى منا الهجران وحظ سنة نبيه النسيان، فلا أمل لنا في أن نحقق استقرارا لا في بيوتنا ولا في مجتمعنا، وقد جاء في الأثر أن الناس إذا تركوا الحكم بشرع الله تعالى جعل بأسهم بينهم، ومن كلام البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى أن الله يغار أن تترك أحكامه فيبتلي الناس بألوان الفوضى وأنواع الاضطراب([11]).

علاج النشوز

   فإذا رأى الزوج علامة النشوز والعصيان على زوجته، أبيح له أن ينتقل إلى مراحل التأديب التي ذكر الله عز وجل في قوله : (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34).

وهذه المراحل مضبوطة ومرتبة على النحو التالي:

1- الموعظة التي تعني التذكير بالله تعالى، وبما أوجب من حق الزوج على الزوجة، وبعقاب النشوز، وتكون هذه الموعظة بالكلمة الطيبة التي يرجى بها الصلاح، فليس من الموعظة في شيء السب والتعيير والتهديد وغير ذلك من الأساليب التي لا يرجى منها صلاح إلا الانتقام للنفس وشفاء الغل.

2- الهجر الذي يعني عدم المعاشرة في الفراش ولذلك قُيِّد بالمضاجع، ولا يكون الهجر نافعا إلا إذا عُلِم سببه وبشرط كونه بعد الموعظة، فليس هو أول طرق التأديب وليس المراد منه إخراج الزوجة من بيت الزوج إلى بيت أهلها، فإن ذلك يؤجج نار الخلاف ولا يؤدب الزوجة.

3- الضرب الذي هو ضرب تأديب وليس ضرب انتقام وشفاء الصدر، الضرب الذي ترجى منه فائدة إرجاع المرأة عن نشوزها لا الذي يكون حجة للنشوز بعد ذلك([12]). كما قال صلى الله عليه وسلم:« فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ»([13]).

 



[1]/ رواه ابن ماجة (1977) الترمذي (3895) وصححه.

[2]/ تفسير ابن كثير .

[3]/ رواه البخاري (2967) ومسلم (715).

[4]/ رواه البخاري (5189) ومسلم (2448).

[5]/ رواه أحمد (6/419).

[6]/ رواه أحمد (1/191) وصححه الألباني.

[7]/ رواه الترمذي (1159) وأبو داود (2140) وابن ماجة (1852).

[8]/ رواه النسائي (3231) وصححه الألباني.

[9]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/263).

[10]/ الآداب الشرعية (2/164) دار الكتب العلمية.

[11]/ آثار البشير الإبراهيمي (3/299).

[12]/ انظر تفسير القرطبي (5/172).

[13]/ رواه مسلم (1218).

تم قراءة المقال 3784 مرة